بدأت حرب البوير Boer الثانية في الحادي عشر من تشرين أوّل عام ١٨٩٩ وانتهت في الحادي والثلاثين من أيّار عام ١٩٠٢ بانتصر باهظ الثمن - ماديّاً ومعنوياً - للإمبراطوريّة البريطانيّة.
كانت بريطانيا العظمى آنذاك في أوج قوّتها ولم يكن هناك أدنى شكّ في نتيجة الصراع ولكن البوير ذوي الأصول الهولنديّة نجحوا في إقناع "العالم" (المقصود بطبيعة الحال أوروبّا باستثناء إنجلترا) بعدالة قضيّتهم كما نرى فن خلال هذه القصّة للكاتب Yves Duval والفنّانان الزوجان Fred & Lilian Funcken. نشرت هذه الرواية المصوّرة في العدد ٨٠٤ من النسخة الفرنسيّة لمجلّة tintin في التاسع عشر من آذار عام ١٩٦٤.
نرى في الإطار الصغير ضمن الصورة الأولى قرويّاً مسالماً من البوير ومجموعة من الفرسان تقترب منه في محاولة لإقناعه بالانضمام إليهم ضدّ الإنجليز ولكنّه رفض مفضّلاً البقاء على الحياد والاهتمام بمزرعته وعائلته.
لم تغن نوايا صديقنا السلميّة عنه شيئاً كما نشاهد في مجموعة الصور الثانية عندما أتى الجنود الإنجليز وأحرقوا مزرعته وساقوا أسرته إلى معسكر اعتقال. أثارت هذه الشراسة سخط بعض الساسة البريطانييّن ومنهم المعارض الراديكالي John Burns الذي حذّر المستر Joseph Chamberlain وزير المستعمرات آنذاك من إدانة "العالم بأسره". في الصورة الأخيرة في نفس المجموعة تخاطب الملكة فيكتوريا رئيس وزرائها (لا بدّ من كونه اللورد Salisbury) وتبدي مخاوفها أن تؤدّي سياسة حكومتها لعزلة بريطانيا على الصعيد الدولي.
يظهر معسكر اعتقال (على غرار الصورة النمطيّة لمعسكرات الاعتقال النازيّة في الحرب العالميّة الثانية وأعتقد أنّ المؤلّفين توخّوا ذلك وتعمّدوه) في مجموعة الصور الثالثة حيث سجن الإنجليز عائلات البوير. تناشد امرأة تحمل رضيعها سجّانها البريطاني أن يعطيها القليل من الحليب لطفلها والجواب بالطبع هو الرفض (في قصص من هذا النوع لدينا الشرّ المطلق في مواجهة حتّى النهاية ضدّ الخير المطلق حتّى لا يصدّع القارىء رأسه بالتفكير والتحليل والتأويل).
الصورة التالية لأحد بقايا مقاتليّ البوير يقرأ الكتاب المقدّس قائلاً: "لن يتخلّى الربّ عن الذين يجاهدون في سبيله".
بالتيجة تغلّب العدد والعدّة على الشجاعة واضطرّ البوير إلى توقيع المعاهدة التي أنهت الحرب في اليوم الأخير من أيّار عام ١٩٠٢ ونرى في الصورة الأخيرة على يمين الناظر البريطاني اللورد Kitchener (بطل السودان) مع علم اتّحاد جنوب إفريقيا (تغيّر بعد إلغاء نظام التفرقة العنصريّة عام ١٩٩٤) وعلى اليسار رئيس جنوب إفريقيا Paul Kruger الذي أمّ المنفى بعد أن انتهت الحرب بانتصار الإنجليز.
الخلاصة لدينا حرب في جنوب إفريقيا بين الإمبراطوريّة البريطانيّة ومحاسيبها (ومنهم مستوطنون بريطانيّون) من جهة ومستوطنيّ البوير ذوي الأصول الهولنديّة من جهة ثانية أمّا عن الأفارقة الأصلييّن فلا صوت لهم ولا صورة من أي نوع ولا أستغرب أن يخال القارىء أنّ هذه الحرب جرت في أوروبّأ! (يحضرني هنا كتاب الرجل الخفي Invisible Man لمؤلّفه الأمريكي - الإفريقي الأصول Ralph Ellison).
تمجّد قصص الغرب المصوّرة - أوروبيّة كانت أم أمريكيّة - الرجل الأببض الأوروبّي فحسب وإذا ذكرت الملوّنين على الإطلاق فدورهم ثانوي "comparse" في أحسن الحالات ولا يتعدّى مجموعة من الهمج في أسوأها وكلّ من قرأ قصص طرزان والشبح لا يحتاج إلى المزيد من الشرح والإيضاح.
No comments:
Post a Comment