يؤرّخ الكثيرون في الشرق والغرب انحطاط الدولة العثمانيّة بداية من موت سليمان القانوني (١٥٦٦ للميلاد) ويعتبرون - بجرّة قلم - كلّ ما أتى بعده سلسلة لا تنقطع من الهزائم والتقهقر والتردّي. هذه المطارحات باطلة من أساسها على الأقلّ من النواحي العسكريّة والسياسيّة. بقيت الدولة العثمانيّة فوّة مرهوبة الجانب في أوروبّا من القرن الخامس عشر وحتّى منتصف القرن الثامن عشر كتقدير محافظ واخترقت قلب القارةّ حتّى ڤيينّا مرّتين: الأولى عام ١٥٢٩ في عهد سليمان والثانية (كما سنرى) عام ١٦٨٣ في عهد محمّد الرابع (١٦٤٨ - ١٦٨٧) عندما وصلت الإمبراطوريّة إلى أقصى اتّساعها في أوروبّا. لا داعي للتذكير بأنّ الكثير من العواصم الأوروبيّة العريقة بقيت تحت سلطة العثمانييّن لمئات السنوات بداية بالقسطنطينيّة عينها (تركيّة إلى اليوم) ومروراً بآثينا وصوفيا وبلغراد وبودابست وغيرها. أسباب سقوط الإمبراطوريّة لا تتعلّق بالتأكيد بخسارة معركة هنا أو هناك والدليل انتصاراتهم على الروس (القرن الثامن عشر) وصولاً إلى مآثرهم في الحرب العالميّة الأولى في معارك غالّيبولي والعراق ضدّ الإنجليز عندما أبلى جنودهم البلاء الحسن ضدّ جيوش الإمبراطوريّة البريطانيّة "التي لا تغيب عنها الشمس" في الوقت الي كانت "الدولة العليّة" فيه تلفظ أنفاسها الأخيرة. ليس من المبالغة على الإطلاق القول أنّ تأخّر العثمانييّن في اعتماد الطباعة كان أهمّ بما لا يقاس من أي شيء جرى أمام أسوار ڤيينّا ويحسن مع ذلك التذكير أنّ دولتهم عاشت قرابة خمسمائة من الأعوام (إذا بدأنا من "فتح" أو "سقوط" القسطنطينيّة عام ١٤٥٣) وبالتالي فأجدر بنا أن ندرس أسباب ديمومة إمبراطويّتهم وليس أفول نجمها تماماً كالإمبراطوريّة الرومانيّة.
الأسطر التالية اقتباس وتعريب عن الكاتب البلجيكي Yves Duval والصور عن مواطنه الفنّان المبدع William Vance (الذي صوّر لنا Bruno Brazil وكثير غيره من أبطال الخيال الذين نشأنا على مغامراتهم). نشرت القصّة في العدد ٧٥١ من الطبعة الفرنيسيّة لمجلّة tintin بتاريخ الرابع عشر من آذار عام ١٩٦٣.
بطل الملحمة ملك بولونيا Jean Sobieski (من ١٦٧٤ إلى ١٦٩٦) "منقذ الغرب" ويخبرنا الكاتب أنّ أوّل تهديد لبولونيا من قبل الإسلام بدأ عندما فتح العثمانيّون Candia (أو كريت) عام ١٦٦٩. من المعروف أنّ الجزيرة كانت أحد مكوّنات الإمبراطوريّة البيزنطيّة إلى أن سقطت القسطنطينيّة بيد الإفرنج واستبيحت عام ١٢٠٤ إبّان الحملة الصليبيّة الرابعة. آلت كريت بعدها إلى ملكيّة البندقيّة واستمرّت كذلك حتّى النصف الثاني للقرن السابع عشر عندما أخذها العثمانيّون واحتفظوا بها حتّى ١٨٩٨ (تعرّضت لتوطين لاجئيّ كريت المسلمين في حيّ المهاجرين في دمشق في مكان آخر).
عبرت جيوش "الإنكشاريّة" نهر الدنيستر Dniester (ينبع من أوكرانيا ويصبّ في البحر الأسود) متّجهةً صوب الشمال إلى أن صدّهم Sobieski الذي تزّعم الدفاع عن أوروبّا الشرقيّة والمركزيّة ضدّ المعتدين. نرى في الصورة التالية خيّالة "صدر دمشق الأعظم شيطان باشا" وقد شرعت في غزو غاليسيا Galicia (إقليم إلى الجنوب من بولونيا). لم أنجح في العثور على معلومات تذكر عن "شيطان باشا" باستثناء ذكر الويكيبيديا لأحد ولاة دمشق "ابراهيم باشا شيطان" (١٦٦٩ - ١٦٧١) ولكن الوالي شيء والصدر الأعظم Grand Vizier شيء آخر. نجح Sobieski في دحر الغزاة.
تولّى قره مصطفى باشا منصب الصدر الأعظم عام ١٦٧٦ وعقد العزم - كما نرى في مجموعة الصور التالية - على "إخضاع أوروبّا بأسرها لحكم الإسلام" بعد أن ضمن "الحياد الإيجابي" لعاهل فرنسا آنذاك لويس الرابع عشر "الملك الشمس" الذي تعهّد بعدم مساعدة غريمته النمسا بأي شكل من الأشكال. قاد قره مصطفى جيشاً هائلاً تعداده - حسب الكاتب على الأقلّ - ثلاثمائة ألف مقاتل باتّجاه ڤيينّا وحاصرها في الحادي عشر من تمّوز عام ١٦٨٣ إلى أن كسر Sobieski عنها الطوق في أعظم انتصار له في الثالث عشر من أيلول لنفس العام.
نرى Sobieski في الصورة الأخيرة ماثلاً بتواضع بين يديّ البابا إذ يقول "أتيت ورأيت وفتح الله" من اللاتينيّة:
veni, vidi, Deus vicit
العبارة بالطبع محرّفة عن يوليوس قيصر "أتيت ورأيت وفتحت" أو:
veni, vidi, vici
كلّفت الهزيمة الصدر الأعظم قره مصطفى باشا رأسه عندما أمر السلطان به فخنق. كان ذلك في الخامس والعشرين من كانون أوّل للعام ١٦٨٣.
No comments:
Post a Comment