مع وفاة الحاجب المنصور بن أبي عامر عام ١٠٠٢ للميلاد (الذي"دفن في الجحيم" حسب الأدبيّات الإسبانيّة) بدأت الأندلس بالتفكّك واستهلّ عهد ملوك الطوائف الذي تميّز باقتتال الدويلات الإسلاميّة بين بعضها وتقلّب التحالفات حسب مصالح الحكّام الآنيّة. ما انطبق على الأندلس انطبق أيضاً على الممالك الكاثوليكيّة في شبه جزيرة إيبريا التي لم يتردّد حكّامها في التحالف مع المسلمين ضدّ مزاحميهم المسيحييّن عندما اقتضت الحاجة وساهم هذا في تأخير ما أسماه الغرب Reconquista "إعادة الفتح" وما أسماه المسلمون "سقوط الأندلس".
كان التاريخ ولا يزال مجموعةً من الأكاذيب وأنصاف الحقائق وكانت قابليّة الكثيرين لتصديق اللامنطقي واللاعقلاني مثاراً للدهشة ولا زالت. التفسير في زعمي بسيط: "غسيل الدماغ - وليس فقط العلم - في الصغر كالنقش على الحجر". ردّد أي أكذوبة على مسمع التلاميذ الصغار بكرةً وعشيّاً على مدى السنوات وسيبنتهي الأمر بأغلبيّتهم الساحقة إلى اعتبارها من المسلّمات والبديهيّات بل من المقدّسات التي لا تجوز مناقشتها بله التشكيك فيها.
قرأت عن El Cid (كما أسمى الإسبان المغامر Rodrigo Díaz de Vivar ١٠٤٣ -١٠٩٩ نقلاً عن العربيّة "السيّد") للمرّة الأولى في أحد كتب فيليب حتّي وشاهدت منذ حوالي عشرين عاماً فيلم Hollywood الشهير عنه من بطولة Charlton Heston (١٩٦١) وهو - رغم الأفاويه والبهارات والمغالطات فيه - أكثر مصداقيّة بكثير من قصّة Fred Funcken المصوّرة في عدد tintin الصادر في الثالث والعشرين من أيّار عام ١٩٥٦ من نسختها البلجيكيّة والمليئة بالأخطاء التاريخيّة الفجّة وهاك بعض الأمثلة عليها:
- تبدأ القصّة عام ١٠٦٤ في "قصر الملك فرناندو في إشبيلية". إشبيلية وقتها كانت تحت حكم بني عبّاد واستمرّت كذلك إلى أن استولى المرابطون عليها عام ١٠٩١ وتأخّر سقوطها (أو فتحها) على يد الإسبان حتّى عام ١٢٤٨.
- المربّع الأوّل في الصفحة ذات الأربعة ألوان: يمثل رسول بين يديّ الملك ويبلغه أنّ صلاح الدين يزحف على إشبيليّة. واضح أنّ معلومات الفنّان - الكاتب (ولربّما رئيس التحرير) تقتصر على أنّ صلاح الدين سلطان مسلم حارب الإفرنج أمّا في أي قرن أو أي قارّة وضدّ أي خصم بالضبط فهذه تفاصيل لم يجشّم طاقم المجلّة العتيدة نفسه عناء التحقّق منها.
- لا داعي للتعليق على الطريقة التي تمّ بها تصوير المحاربين المسلمين ("الكفّار" incroyants في المربع الخامس من الصفحة ذات اللونين) مقابل المظهر النبيل لخصومهم من الكاثوليك.
بعيداً عن الدجل لا شكّ أنّ "السيّد" كان من المحاربين الأشداء الدهاة ولكنّه لم يتردّد في تأجير سيفه للمسيحييّن أو المسلمين حيثما تطلّبت مصلحته. بعبارة ثانية "البطل" Campeador كان من المرتزقة واستطاع بمناوراته هنا وهناك أن يقتطع لنفسه إمارة في بلنسية Valencia عام ١٠٩٤ ولكن المرابطون نجحوا في فتحها بعد ثلاثة سنوات من موته لتبقى تحت الحكم الإسلامي لمدّة ١٢٥ سنة.
بالنسبة لحروب Reconquista يمكن اعتبار سقوط طليطلة عام ١٠٨٥ بداية نهاية الهيمنة الإسلاميّة في الأندلس التي سقطت عمليّاً مع منتصف القرن الثالث عشر باستثناء غرناطة التي استمرّت حتّى نهاية القرن الخامس عشر بفضل عدّة عوامل أهمّها طبيعتها الجبليّة والجزية الضخمة التي دفعها ملوكها لسادتهم الإسبان واستعدادها (في القرن الثالث عشر) للحلف مع هؤلاء ضدّ بقايا الدويلات الإسلاميّة.
No comments:
Post a Comment