Wednesday, June 17, 2020

أقلّيّات دمشق الإثنيّة في ثلاثينات القرن العشرين


رأينا أمس أنّ أغلب سكّان دمشق ينحدرون من أصول سوريّة امتزجت فيها الدماء العربيّة بعد الفتح الإسلامي كما تمّت الإشارة إلى بعض العناصر التركيّة التي انصهرت بالنتيجة في بوتقة المدينة. أجرى الجغرافي الفرنسي Richard Thoumin دراسة هامّة عن توزيع سكّان دمشق حسب أصولهم أوّلاً وحسب دياناتهم ثانياً نشرت عام ١٩٣٧. فلنتعرّض اليوم للأقلّيات من الناحية الإثنيّة (تعرّف مجموعة ethnic بأصولها ولغتها وثقافتها وتاريخها أو مجموعة من هذه العوامل). لم يستعمل Thoumin هذا المصطلح ولكنّي وجدته الأنسب في هذا السياق. 

الأكراد
منهم بالطبع من "تدمشق" عبر العصور ومع ذلك شكّلوا في عهد الانتداب أحد أكثر الأقلّيّات الإثنيّة تجانساً وعدداّ إذ قدّرهم Thoumin بخمسة عشر ألف نسمة على الأقلّ من أصل ربع مليون من سكّان المدينة. الوجود الكردي في دمشق قديم ويعود للقرن الثاني عشر للميلاد ومن المعروف أنّ الأتابك نور الدين استعان بهؤلاء المحاربين الأشدّاء وأتى الناصر صلاح الدين بعده ليكرّس وجودهم ولكنّه حكم كسلطان سوري وليس كإمبراطور كردي. 
يقع حيّ الأكراد خارج سور المدينة شرق الصالحيّة وكانت آخر موجات الهجرة إليه في أعقاب الحرب العالميّة الأولى فراراً من الحروب والمجازر التي عاصرت نهاية الإمبراطوريّة العثمانيّة وولادة تركيّا الكماليّة. الأكراد مسلمون سنّة كمعظم سكّان دمشق بيد أنّهم حافظوا على قبليّتهم وعصبيّتهم. يضيف الباحث الفرنسي أنّ أهل دمشق ينفرون من الأكراد ويرهبونهم واعتبر كثيرون منهم ولفترات طويلة كلمة كردي مرادفة لقاطع طريق أمّا الأكراد فكانوا ينظرون للمدينة بعين ازدراء من سفوح قاسيون ويحتقرون القروييّن والحرفييّن والتجّار المخنّثين. 

الحوارنة
يختلط الدمشقيّون والحوارنة في حيّ الميدان مركز خزن وتجارة الحبوب في دمشق. أصبح تمييز الحوراني المسلم عن الدمشقي المسلم صعباً مع مرور الزمن إذ اكتسب القادمون من الجنوب لهجة المدينة وتزايد التزاوج بين عائلاتهم وعائلاتها. بالمقابل جميع العائلات المسيحيّة الحوارنيّة في الميدان (باب مصلّى والقريشي) حوارنة انتقل كثيرون منهم لاحقاً -مع تحسّن ظروفهم المادّيّة- إلى أحياء باب توما ومن ثمّ القصّاع. تغيّر الوضع بعد مجزرة ١٨٦٠ عندما نزح مسيحيّون من حرمون إلى دمشق وحيّ الميدان مع بعض الدروز من راشيّا. 

المغاربة
استقرّ في دمشق بضع مئات من الأسر المغربيّة في منتصف القرن التاسع عشر مع الأمير عبد القادر الجزائري وتشكّل حيّ مغربيّ صغيرقرب باب مصلّى. لا يزال خان المغاربة شاهداً على ذلك العصر وإن ذاب هؤلاء بسرعة لا بأس بها في وطنهم الجديد.

النازحون من كريت والروملّي
قصّة توطين ناظم باشا لهم في سفوح قاسيون غرب الصالحيّة عام  ١٨٩٦ ثمّ عام ١٩٠٠ معروفة وهكذا بدأ حيّ المهاجرين الذي تسارع تطوّره بعد ١٩٢٠ وبالنتيجة انصهر اللاجئون في المجتمع الشامي شأنهم شأن المغاربة. 

الأرمن
تنازلت فرنسا عن كامل كيليكيا لتركيّا بموجب اتّفاقيّة أنقرة عام ١٩٢١ وتلى ذلك خروج حوالي سبعين ألف مسيحي معظمهم من الأرمن باتّجاه سوريا ولبنان. استقرّ أغلبهم في حلب وبيروت ونال دمشق منهم بضعة ألوف قطنوا أحياءً قرب باب توما والباب الشرقي. تعاضد الأرمن بعضهم مع البعض الآخر كما هو الحال غالباً للأقلّيّات المضطهدة وحافظوا على خصوصيّتهم وتميّزوا بذكائهم وعملهم ممّا جعلهم منافسين للعمّال والحرفييّن وصغار التجّار. أدّى ذلك إلى نفور  البعض منهم إلى درجة تقارب الكراهية. 

الأوروبيّون
قطن بضع ألوف من الفرنسييّن والطليان واليونان أحياء الشهداء وعرنوس والجسر الأبيض الجديدة. مع مرور الزمن انضمّ إليهم من أهل دمشق من أراد ترك المدينة القديمة إلى الضواحي العصريّة الجديدة الأكثر موائمة للظروف المستجدّة. لا تزال هذه العمليّة مستمرّة حتّى اليوم.

يقي لدينا التعرّض لتوزيع سكّان دمشق من الناحيتين  الدينيّة والطائفيّة.   





توزيع سكّان دمشق حسب أصولهم ودياناتهم في ثلاثينات القرن العشرين. 






Thoumin, R. (1936). Géographie humaine de la Syrie centrale, Paris: Librairie Ernest Roux. 




No comments:

Post a Comment