شكلّ المسيحيّون حوالي ٢٠٪ من سكّان دمشق في عهد الانتداب الفرنسي وبلغ عددهم بجميع طوائفهم ٥٠ ألف نسمة حسب الجغرافي الفرنسي Richard Thoumin في مقاله المنشور عام ١٩٣٧.
تواجد الحيّ المسيحي شرق المدينة القديمة وتجاوز السور الروماني شمالاً إلى حيّ القصّاع كما تجب الإشارة إلى مسيحيّي الميدان وباب مصلّى وأيضاً الأحياء الجديدة الممتدّة من المشفى العسكري والمقبرة الفرنسيّة إلى الجسر الأبيض.
ورثت دمشق المسيحيّة إلى حدّ ما الدور الذي لعبته أنطاكيا في الماضي وتطوّر فيها عدد من المذاهب يمكن تقسيمها بشكل عامّ إلى تلك التي تعترف يسلطة روما والبابا وتلك التي ترفضها ويمارس الطرفان الشعائر والطقوس نفسها: الروم الأورثوذوكس والروم الكاثوليك يمارسون الشعائر البيزنطيّة كما يمارس السريان اليعاقبة والسريان الكاثوليك الشعائر السريانيّة والنساطرة والكلدان الكاثوليك الشعائر الكلدانيّة والأرمن الأورثوذوكس (الغريغوريّون) والأرمن الكاثوليك الشعائر الأرمنيّة. جميع الموارنة متّحدون مع روما ولهم شعائرهم الخاصّة.
إذاً لم تغيّر الطوائف التي قبلت السلطة البابويّة طقوسها ويرجع هذا إلى سياسة الفاتيكان التي قرّرت احترام كافّة مظاهر العبادة الخارجيّة والتنظيم الكنسي لتسهيل ضمّ الكنائس الشرقيّة تحت لواء الكرسي البابوي. ممّا يسترعي الانتباه في مقال Thoumin أنّه لم يتعرّض بكلمة واحدة لأي تواجد إنجيلي (بروتستانتي) في دمشق. لا شكّ أنّ أعداد البروتستانت كانت قليلة ولكنّهم كانوا موجودين بالتأكيد بدلالة أحد مشاهيرهم ألا وهو الدكتور ميخائيل مشاقة.
تعرّضت باختصار للخلافات العقائديّة بين الطوائف المسيحيّة في مكان آخر (الروابط أدناه) ولن أكرّرها هنا مكتفياً بترديد ما أورده المؤلّف عن العداوة بين بيزنطة واليعاقبة ممّا حمل هؤلاء على تسهيل الفتح العربي.
عدديّاً الفرع "المنشقّ" schismatique (حسب Thoumin) هو الأهمّ وكان محميّاً من قيصر روسيا حتّى بداية الحرب العظمى عام ١٩١٤. يشكّل الروم الأورثوذوكس أكثر من ثلث المسيحييّن ويحتلّون القسم الغربي من الأحياء المسيحيّة بين اليهود جنوباً والإسلام في باب السلام (أعتقد أنّ المقصود القيمريّة) شمالاً بينما يتركّز الروم الكاثوليك شرق باب توما وفي أزقّة الباب الشرقي قرب الحيّ اليهودي. أعداد بقيّة الطوائف زهيدة.
يتعيّن إضافة اللاتين إلى ما سبق ولا يجب الخلط بين هذه الطائفة الحديثة نسبيّاً وبين الروم الكاثوليك رغم أنّهم -أي اللاتين- يدعون Roman catholic في الغرب. يقطن اللاتين أحياء الشهداء وعرنوس والجسر وجلّهم أوروبيّون منهم فرنسيّون يمارسون عباداتهم في كنيسة فرنسيسكانيّة جديدة وطليان يقع مصلّاهم chapelle في مشفاهم المعروف. تتجاوز أهميّة اللاتين عددهم إذ لهم دور قيادي في ربط الطوائف المسيحيّة بروما وبالتعليم خصوصاً كما تشهد بذلك المدارس الكاثوليكيّة حيث يتمّ تدريس اللغة الفرنسيّة والأدب الفرنسي والتاريخ الفرنسي دون أن يبدي الطلّاب الحدّ الأدنى من الاهتمام بالثقافة العربيّة والتاريخ العربي ويعتبرون أنفسهم نتيجة لهذا التعليم متفوّقين على عامّة المسلميين الذين يصعب وجود مترجم مقبول بينهم بينما يتكلّم نصف المسيحييّن الذين يعترفون بروما اللغة الفرنسيّة بطلاقة وخمس الأورثوذوكس. يقارب اليهود الكاثوليك في إلمامهم بالفرنسيّة والفضل يعود إلى جهود الأليانس Alliance israélite universelle.
أكثر من ثلثيّ العائلات المسيحيّة الدمشقيّة لها أقارب وفروع في المهجر وكثيرون منهم من أمّوا مصر وأمريكا وهكذا تضافرت عدّة عوامل: جهود المبشّرين والبحث عن فرص اقتصاديّة وحياة عصريّة لتزيد التقارب بين مسيحيّي الشام من جهة والغرب الأوروبي الأمريكي من جهة ثانية.
Thoumin, R. (1936). Géographie humaine de la Syrie centrale, Paris: Librairie Ernest Roux.
No comments:
Post a Comment