بدأت القصّة قبل حوالي النصف قرن في مقبرة الباب الصغير وتحديداً في غرفة آيلة للتداعي تقع على بعد قرابة الخمسين متراً شمال غرب الضريح المفترض لمعاوية بن أبي سفيان عندما اكتشفت ثلاث شواهد قبور تحمل كتابات كوفيّة بين الأنقاض. ارتأى البعض وقتها إدراج المكان كضريح عبد الملك بن مروان نظراً لأنّ المصادر التاريخيّة تحدّد الباب الصغير كمثواه الأخير إلّا أنّ الباحث عبد القادر ريحاوي دعى إلى المزيد من التحرّيات للتأكّد من هويّة التربة وبناءً عليه عيّن محافظ مدينة دمشق لجنة من الخبراء شملت إضافة إلى ريحاوي خبيرة الخطوط العربيّة Solange Ory (يعود الفضل إليها وإلى العالم خالد معاذ في دراسة مرجعيّة صدرت عام ١٩٧٧ لشواهد قبور الباب الصغير) والأستاذ أبو الفرج العشّ محافظ متحف دمشق الوطني والمصوّر مروان مسلماني والملحق الفنّي وفا الدجاني الذي رسم النقوش الكتابيّة والمهندس محمّد الرومي الذي وضع المخطّطات. أوكل إلى هذه اللجنة مهمّة تنقيب الموقع وموّلت المديريّة العامّة للآثار والمتاحف هذا المشروع.
بوشر بالأعمال عام ١٩٧٣ ونشرت النتائج في مقال مفصّل لعبد القادر ريحاوي في عدد الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة الصادر عام ١٩٧٤ أستعرض في الأسطر التالية بإيجاز أهمّ ما ورد فيه مع محاولة التبسيط قدر الإمكان.
حدّدت الأضرحة الحديثة مجال التنقيب في رقعة ضيّقة لا تتجاوز أبعادها ١٣،٥ x ١٤،٥ متر حفرت إلى عمق متراً ونصف المتر لتظهر -علاوة على الشواهد الثلاث المذكورة- قبرين كاملين أحدهما مجهول الهويّة لا يحمل أي كتابة والثاني للأمير التنتاش المتوفّي عام ٥١٤ للهجرة (١١٢٠ للميلاد). اكتشفت كذلك بقايا سفليّة لتربة قديمة مقبّبة تعتمد قبّتها على عضائد حجريّة تعلوها عقود آجريّة. تمّ تصوير هذه المكتشفات ورسم مخطّطاتها بانتظار "إقامة بناء حديث لائق على القبور وتحويل الأرض المجاورة إلى حديقة أثريّة وقاعات لعرض الشواهد".
تربة المسجف |
يشير ريحاوي -مع التحفّظ نظراً لعدم إمكانيّة سير الموقع من كلّ الجهات- أنّ أقواس هذه التربة كانت مفتوحة على هيئة قناطر دون جدران كما هو الحال في قبّة السيّار وتربة المسجف (الصورة الملحقة) وتربة ابن المقدّم وجميعها تعود لمطلع العهد الأيّوبي ويضيف أنّ القبر لاحق ليناء التربة التي يمكن كونها سلجوقيّة أقيم عليها قبر التنتاش فبما بعد خصوصاً أنّ هذا القبر يقع في أحد جوانب التربة بينا يقع القبر الأوّل المجهول في وسطها. لهذا القبر الأخير شاهدتان سناميّتان (جملونيّتان) ولكنّها تحتويان على آيات قرآنيّة فقط وليس عليهما ما يساعد في تحديد هويّة الضريح ولربّما أخذتا من موقع آخر لأنّهما لا تنسجمان مع القبر الذي يبدوا أقدم عهداً وليس من المستحيل أن يعود للعهد الأموي ولأحد خلفاء أميّة.
خلاصة ما سبق ورغم غياب الأدلّة القطعيّة يمكن للقبر المجهول أن يكون العتصر الأقدم في هذه التربة أقيمت فوقه قبّة في العهد السلجوقي دفن تحتها التنتاش لاحقاً.
بقي علينا أن نلقي نظرة سريعة على قبر التنتاش وأن نحاول تحديد هويّة هذا الشخص.
عبد القادر ريحاوي. اكتشاف مدفن إسلامي في مقبرة الباب الصغير. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الرابع والعشرون ١٩٧٤.
No comments:
Post a Comment