Friday, June 26, 2020

محراب الصحابة


للجامع الأموي أربع محاريب موزّعة على المذاهب الفقهيّة الأربعة ومن المتّفق عليه أنّ أقدمها هو محراب الصحابة الواقع في القسم الشرقي لجدار الجامع القبلي والمخصّص اليوم للمذهب المالكي. بني هذا المحراب بعد الجدار الروماني وتشبر الدلائل أنّه استحدث في العهد الإسلامي في منتصف قاعة مسجد الصحابة. من أين أتت فكرة المحراب وكيف تطوّرت؟ حاول العالم الراحل عفيف بهنسي الإجابة على هذين السؤالين في مقال نشر في المجلّد الحادي والثلاثين من الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة عام ١٩٨١.

ارتأى لفيف من المستشرقين ومنهم Gertrude Bell و K.A.C. Creswell و Henri Lammens أنّ المحراب الإسلامي مقتبس عن حنية exedra الكنيسة واستندوا في ذلك إلى ما ذكرته المصادر الإسلاميّة التاريخيّة عن استعانة الأموييّن بحرفيّي الأقباط والبيزنطييّن بينما يتحفّظ بهنسي فيقول أنّ أوّل محراب في الإسلام كان في مسجد المدينة الذي أعاد بنائه عمر بن عبد العزيز عندما كان والياً عليها في خلافة الوليد بن عبد الملك وبالتالي ففكرة المحراب في نظره إسلاميّة محضة. لا أعتقد بإمكانيّة الجزم في موضوع شائك ومعقّد كهذا.

من المثير للدهشة أنّ أوّل من ذكر وجود المحراب في الأموي (أو على الأقلّ أقدم من وصلتنا كتاباته حسب الدكتور بهنسي) هو مرتضى بن العفيف في منتصف القرن السابع الهجري أو الثالث عشر الميلادي ولربّما كان عاد السبب إلى عناية المؤرّخين -ابن عساكر مثلاً- بوصف الكيفيّة التي حوّل فيه الوليد الكنيسة المسيحيّة وبقايا المعبد الروماني الداخلي temenos إلى جامع ونفقات بناء هذا الجامع وعزوفهم عن وصفه من الناحيتين الفنّيّة والعماريّة باستثناء مقتطفات في المقدسي وما تركه لنا الرحّالة المدقّق ابن جبير الأندلسي. 

يتوصّل الدكتور بهنسي في نهاية البحث بعد استقراء المعطيات المحدودة المتوافرة لدينا وفي غياب الأدلّة الماديّة الدامغة أنّ الظهور الأقدم للمحراب كان في مسجد المدينة أمّا المحراب كما نعرفه اليوم فأنشىء للمرّة الأولى في الجدار الجنوبي لمسجد الصحابة في دمشق وشكّل نموذجاً للمحاريب التالية في جامع القيروان (٦٧٠ للميلاد) وقبّة الصخرة في القدس (٧٠٢ م) والمحراب الكبير في الجامع الأموي (٧٠٥) ثمّ محراب مسجد النبي في المدينة (٧٠٧ أي عندما جدّده عمر بن عبد العزيز) فمحراب عمرو في الفسطاط  (٧١٢) وهكذا دواليك. 


عفيف بهنسي. المحراب الأوّل في الجامع الأموي. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الحادي والثلاثون ١٩٨١.



No comments:

Post a Comment