Friday, June 19, 2020

يهود دمشق


بلغ عدد يهود دمشق قرابة العشرة آلاف نسمة وعدد سكّان المدينة حوالي الربع مليون حسب تقدير الجغرافي الفرنسي Richard Thoumin في دراسته الصادرة عام ١٩٣٧. شكّل أفراد الطائفة اليهوديّة إذاً ٤٪ من عدد السكّان وهي نسبة لا يستهان بها وتجاوزت بكثير نسبة بعض الأقلّيّات كالشيعة مثلاً. 

خصّص Thoumin لليهود حوالي أربعة صفحات من مقال بطول ٣٤ واستند في تاريخ بدايات التواجد اليهودي في دمشق إلى العهد القديم والسبب ببساطة ندرة المصادر الأصليّة التي تعالح هذا الموضوع خارج الكتاب المقدّس. يسلّم الكاتب أنّ بعض يهود الشتات استوطنوا في الشام في أعقاب الخروج من مصر والسي الآشوري لمملكة إسرائيل ومن ثمّ السبي البابلي لمملكة يهوذا. انتشرت المستوطنات اليهوديّة في حوض المتوسّط في العهد الهلنستي واستقبل البطالمة في الاسكندريّة اليهود بالترحاب وكذلك فعل السلوقيّون الأوائل في أنطاكيا. 

تغيّر الوضع في القرن الثاني قبل الميلاد وتعرّض اليهود للاضطّهاد على يد السلوقييّن حسب سفر المكابييّن ومع ذلك ظلّ الوجود اليهودي في فلسطين ملموساً إلى أن دمّر Titus Caesar Vespasianus القدس وشتّت أهلها عام ٧٠ للميلاد.

يعتبر Thoumin إذاً أنّ أصل الحيّ اليهودي في دمشق يعود إلى أحفاد العائلات التي لجأت إلى المدينة خلال القرون الثمانية بين السبي الآشوري والاضطهاد الروماني ويضيف أنّ العهد البيزنطي كان معادياً لليهود عموماً ممّا حمل هؤلاء على النظر بعين العطف إلى الفاتحين العرب شأنهم في ذلك شأن المسيحييّن السورييّن. 

تسامح أوّل الخلفاء الأموييّن مع المسيحييّن واليهود وتزايد عدد من اعتنق منهم الدين الجديد لسبب أو لآخر ولكنّهم تعرّضوا للاضطّهاد لاحقاً كما في العهد الفاطمي وخلافة الحاكم بأمر الله.

استمرّ عدد يهود دمشق بالتناقص حتّى نهاية القرن الخامس عشر للميلاد عندما طرد ملكا أسبانيا إيزابيلّا وفرديناند مسلمي ويهود الأندلس ونجم عن هذا نزوح عدد كبير من العائلات اليهوديّة إلى دمشق وغيرها وهكذا أضيف لبهود الشرق الأدنى أو المزراحييّن يهود إسبانيا السفاردييّن وتلى هذا عهد رخاء للطائفة اليهوديّة الدمشقيّة دام حتّى منتصف القرن التاسع عشر وكان لأغنيائها -وأثرياء المسيحييّن- دور كبير في حياة المدينة الاقتصاديّة إلى درجة إقراض الولي ما يحتاجه لتجهيز قوافل الحجّ إلى مكّة والسهر على سلامتها. 

يقدّر Thoumin أنّ حوالي نصف الطائفة اليهوديّة الدمشقيّة يتحدّر من أصول إسبانيّة ويضيف أنّ وضعها بدأ يالتدهور بعد عام ١٨٦٠ عندما  بدأت هجرة المسيحييّن واليهود إلى أمريكا. تسارع هذا الميل بعد أحداث ١٩٢٥-١٩٢٦ (الثورة السوريّة الكبرى) وترك الكثيرون من اليهود إلى بيروت وعبر المحيطات.

من الناحية المهنيّة نرى بين يهود الشام الحرفييّن والصاغة والساعاتيّة والصيرفيّة والباعة الجوّالين الذين يحمّلون بضائعهم على ظهور الحمير لبيعها في قرى الغوطة الصغيرة والمرج ووادي الأعوج والقلمون.

يقع الحيّ اليهودي جنوب شرق المدينة داخل السور وجنوب الشارع المستقيم (مكتب عنبر أكبر الدور اليهوديّة وثاني أكبر بيت في دمشق بعد قصر العظم يقع شمال الشارع المستقيم ولكنّه "الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة") ويحيا اليهود فيه معزولين عن بقيّة أحياء دمشق ولكنّهم في هذا يتبعون نفس النموذج السائد في الأحياء المسلمة والمسيحيّة.

الحيّ اليهودي في حالة تدهور رغم ذكاء وكدّ سكّانه والسبب الأساسي هو الهجرة إلى الخارج. تغلغل البؤس في بيوت الماضي الغنيّة وأهملت غرفها رغم أنّ العديد منها لا يزال سكناً لعائلات ميسورة ولا يزال رخامها ونوافيرها تذكّرنا بأبّهة الأساطير الشرقيّة.


   








Thoumin, R. (1936). Géographie humaine de la Syrie centrale, Paris: Librairie Ernest Roux. 




    

No comments:

Post a Comment