Saturday, June 6, 2020

ضريح التنتاش


نقلت يوم أمس عن الباحث الراحل عبد القادر ريحاوي والحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة قصّة اكتشاف هذا الضريح في مقبرة الباب الصغير. فلنتعرّض اليوم لوصف سريع له ونختم في محاولة لتحديد هويّة التنتاش المذكور. 

بني القبر بالحجر النحيت على شكل متوازي مستطيلات مرتكزاً على قاعدة حجريّة ومتوّجاً بشاهدة سناميّة. الأبعاد مذكورة على المخطّط الملحق ولا داعي لتكرارها أمّا الرسم الثاني فيظهر جانباً من أحد وجوه الضريح الأربعة مع تفاصبله الزخرفيّة النباتيّة الرائعة التي تؤطّر نقشاً كتابيّاً بالخطّ الكوفي تسبق فيه البسملة آية الكرسي. لا تكتمل هذه الآية على أوجه الناووس ممّا حدا النقّاش إلى إتمامها على الوجه الجنوبي للشاهدة الجملونيّة وهذا يؤكّد أنّ الشاهدة والناووس بنيتا في نفس الوقت. 



اخترت من النصوص الكتابيّة النصّ التالي المتعلّق بالأمير المدفون:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر الأمير الأجلّ نصير الدين بهاء الأمّة أبي منصور التنتاش بن عبد الله التاجي توفّي في الحادي عشر من صفر سنة أربعة عشر وخمسمائة * رحمه الله ورحم من ترحّم عليه لا إله إلّا الله محمّد رسول الله

* الموافق الخامس من أيّار عام ١١٢٠ للميلاد.


يدلّ الاسم على أنّ المذكور أمير تركي إذ تعني الكلنات التركيّة "التون" الذهب و"تاش" حجر أي حجر الذهب أمّا عن هويّته فيدلّنا تاريخ الوفاة أنّه كان معاصراً للأتابك ظهير الدين طغتكين وتشير نسبة التاجي أنّه (أو أبيه عبد الله) كان من أتباع تاج الدولة تتش ابن السلطان السلجوقي ألب أرسلان. 

المشكلة أنّ التنتاش هذا غير مذكور في أيّ من تراجم وتواريخ دمشق في عهد طغتكين وإن تواجد أشخاص آخرون يحملون نفس الاسم ومنهم:

تنتاش مذكور في حوادث ٥٤٣ للهجرة (١١٤٧-١١٤٨ للميلاد) كغلام للأمير أمين الدولة كمشتكين الذي سملت عيناه -أي عينيّ التنتاش- في دمشق بعد أن حاول التعاون مع الإفرنج ضدّ حكّامها. لا يمكن كونه صاحب القبر نظراً لتباعد الزمنين. 

هناك تنتاش آخر ذكره أسامة بن منقذ في كتاب الاعتبار كصاحب رفنية (تترجم Raphania أو Rafaniyya  وتقع على بعد ستّة عشر كيلومتراً جنوب مصياف). وصفه ابن منقذ "الأمير شمس الخواص التونتاش صاحب رفنية". إذا راجعنا ما كتبه ابن القلانسي في أحداث عام ٥٠٤ (١١١٠-١١١١ للميلاد) فهذا المؤرّخ أورد خبراً عن "الأمير شمس الخواص صاحب رفنية" وهذا التاريخ يتّفق مع التاريخ اللاحق لوفاة التنتاش خصوصاً أنّ رفنية كانت وقتها تابعة لدمشق وطغتكين إلى أن استولى عليها الصليبيّون عام ٥٠٩ ( ١١١٥-١١١٦ للميلاد) بشهادة أبي الفداء. 

الخلاصة نستنتج من تاريخ شاهدة الضريح واستقراء النصوص التاريخيّة أنّ التنتاش صاحب الضريح أمير تركيّ تولّى حصن رفنية وخدم أبوه عبد الله تحت إمرة تاج الدولة تتش.


عبد القادر ريحاوي. اكتشاف مدفن إسلامي في مقبرة الباب الصغير. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الرابع والعشرون ١٩٧٤


No comments:

Post a Comment