كتب الدكتور عبد القادر ريحاوي رحمه الله مقالاً بالفرنسيّة في المجلّد الحادي والعشرين من الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة الصادر عام ١٩٧١ (ص ٢٧٥ - ٢٨١) تعرّض فيه لمشكلةٍ طالما صادفها خبراء الآثار في بلدٍ يعبق منه التاريخ كسوريّا: كيف نظهر الآثار القديمة للعيان دون تدمير الآثار التي حلّت محلّها في العصور اللاحقة؟ تتجلّى هذه المعضلة خصوصاً في الأماكن المأهولة باستمرار كدمشق القديمة مثلاً: جميعنا نعرف أنّ المدينة الرومانيّة تقبع عدّة أمتار تحت مستوى الأرض الحالي (ولربّما أمكن الوصول إلى المدينة الآراميّة في بعض المواقع) ومع ذلك ليس من المعقول أن نضحّي بالآثار الإسلاميّة - وبعضها يتجاوز عمره ألفاً من الأعوام - على أمل اكتشاف ما هو أقدم منها ومن هذا المنطلق اقتصر التنقيب والسبر على مناطق محدودة (صحن الأموي وداخل القلعة وما ذهب ضحيّةً للحرائق).
أعطى ريحاوي في مقال الحوليّات المذكور عدّة أمثلة: الباب الشرقي في دمشق، مسرح بصرى، أنقاض أفاميا، تدمر. أقتصر في الأسطر الآتية على تعريب بعض ما كتبه عن مسرح بصرى.
بدأ مشروع ترميم واستثمار مسرح بصرى منذ عشرين عاماً.
كان المسرح بكامله تقريباً مختبئاً تحت أبنية لاحقة عندما بدأت الأعمال. تتعلّقُ هذه الأبنية بالقلعة الأيّوبيّة وأبراجها الضخمة على المحيط والخندق الذي طوّقها أضف إليها المشيّدات الإسلاميّة على عدّة طوابق فوق المسرح. كان هدم هذه المستويات موضع مناقشات طويلة ودراسات دقيقة الهدف منها حصر المساس بالقلعة إلى الحدّ الأدنى لما لها من أهميّةٍ بالغة في تاريخ العمائر العربيّة العسكريّة.
كان الحلّ الذي تبنّيناه إزالة الأبنية المتواجدة فوق المسرح (أي داخل القلعة) بالكامل + المحافظة على السور والأبراج والخندق دون أدنى تغيير. باختصار وفّرنا القسم الرئيس والجوهري من القلعة وضحّينا بمكوّناتها الثانويّة وهكذا استطعنا كشفَ أبدةٍ بالغة الأهميّة وعظيمة القيمة. تجلّى المسرح البديع بكلّ بهائه بعد إخلاء الردم ووجدنا تجويف المسرح cavea في حالةٍ استثنائيّةٍ نسبةً إلى المسارح المماثلة في سائر أرجاء العالم والتي كثيراً ما استعملت مقالعاً للحجارة. يتعيّن الإقرار أنّنا ندين بالحفاظ على المسرح عبر القرون إلى المنشآت العربيّة التي احتمى بها وتوارى تحتها.
ʿAbd al-Qādir Rīḥāwi. Annales Archéologiques Arabes Syriennes, Vol XXI 1971. Le problème de la conservation des monuments d'époque classique en Syrie. Le théâtre de Buṣra (p 277 - 278).
No comments:
Post a Comment