ذكرت في منشور الأمس أنّ المبشّر الإيرلندي Porter كان أوّل من استطاع الدخول إلى حرم الجامع (منتصف القرن التاسع عشر) ولكن هذا التعميم غير دقيق كما سنرى عبر الأسطر التالية التي اختزلتها عن Degeorge (الصفحات ٢٣٥ - ٢٣٩):
ظلّ دخول جامع دمشق الكبير محظوراً على المسيحييّن من الغرب حتّى ستّينات القرن التاسع عشر على وجه التقريب. كتب Lamartine الذي زار دمشق متسربلاً بزيّ عربي قح عام ١٨٣٣ أنّ "المسيحي الذي يدنّس الجامع بدخوله يعرّض نفسه إلى خطر الموت". لربّما كان في ذلك بعض المبالغة.
مع ذلك استطاع بعض الأوروپييّن النوادر دخول الأموي سواءً بالحيلة أو بصفة استثنائيّة. لدينا مثلاً الرحّالة الإسپاني Badía y Leblich الذي نجح تحت اسم "علي بيه العبّاسي" وهويّة إسلاميّةٍ مستعارة بالولوج إلى الجامع دون أي عناء ومع الأسف كان وصفه المختصر دون المستوى المأمول. تبجّح الرحّالة الإنجليزي James Silk Buckingham أيضاً بزيارة الحرم في الثالث والعشرين من آذار مارس عام ١٨١٦ مستعيناً - مع صحبه - بالعمائم واللحى ومحاكاة إيماءات وتصرّفات أهل البلاد قدر الإمكان.
تمّ تجاوز هذه القاعدة للمرّة الأولى - حسب الرحّالة الهولندي Lycklama à Nijeholt - عام ١٨٤٦ عندما قام دوق ودوقة Brabant بجولة سريعة في الجامع ثمّ في أيّار مايو عام ١٨٦٠ عندما سُمِحَ لإبنيّ دوق Orléans بزيارته ليلاً، بناءً على نصيحة الوالي، بغية تجنّب إثارة عصبيّة وسخط الأهالي ممّا قد لا يسمح للسلطات بحماية الضيفين.
فُتِحَت أبواب الجامع للزوّار في أعقاب أحداث ١٨٦٠ الدامية التي ذهب ضحيّتها آلافٌ من الناس ودُمّر الحيّ المسيحي. أمكن للأجانب، بعد هذه المأساة، دخول الأموي وتفقّد مكوّناته بشرط وجود مرافق مترجم أو قوّاص من إحدى القنصليّات + بخشيش سخي للمسؤولين. قُدِّر لمنع التصوير الاستمرار حتّى نهايات القرن التاسع عشر بشهادة John Kelman الذي كتب أنّه تمكّن من تصوير الجامع دون أن يتعرّض إليه إنسان عام ١٩٠٦ ولكنّه ذكر أنّ العامّة كادت أن تقتل أحد الدمشقييّن قبل عشرة أعوام عندما حاول تصوير الأنقاض بعد حريق ١٨٩٣.
مع كلّ ذلك لدينا صور جيّدة للأموي بعدسة Bonfils (١٨٣١ - ١٨٨٥) ناهيك عن اللقطة المشهورة للإنجليزي Bedford عام ١٨٦٢ (الصورة الملحقة).
No comments:
Post a Comment