أودّ قبل استئناف النقل عن Kremer أن أحاول سدّ بعض الثغرات المتعلّقة بتاريخ محاريب الجامع متّكلاّ بالدرجة الأولى على الأخصّائي الفرنسي Mouton (الصفحات ٣٦٣ - ٣٦٥ من كتابه عن دمشق تحت السلاجقة والأتابكة: المرجع أدناه وهو أفضل ما قرأته إلى اليوم عن تلك الفترة).
المحراب بالطبع سابق للإسلام والديانات الابراهيميّة (رغم تحفّظ الدكتور عفيف بهنسي رحمه الله على ذلك) ويُعْتَقَد أنّ أوّل محراب إسلامي كان في المدينة. بالنسبة للجامع الأموي من المتعارف عليه أنّ المحراب الأقدم هو محراب الصحابة بيد أنّ ذكره تأخّر عدّة قرون على التاريخ المفترض لعمارته (أوّل من كتب عنه حسب بهنسي مرتضى بن العفيف في القرن الثالث عشر للميلاد وهناك أيضاً سبط ابن الجوزي من وفيّات نفس القرن).
محراب الأموي الرئيس هو المركزي وليس محراب الصحابة الشرقي. كان المذهب الشافعي سائداً في دمشق بعد أن أخلاها الفاطميّون ليأخذها التركي أتسز بن أوق لحساب السلاجقة عام ١٠٧٦ للميلاد وبالتالي كانت الإمامة فيهم والمحراب المركزي محرابهم. بالمقابل تبع الأتراك المذهب الحنفي وحاولوا نشره في دمشق واستحوذوا في هذا الصدد على المحراب الرئيس بيد أنّ الشافعييّن رفضوا الصلاة وراء إمام حنفي وتحوّلوا عن الجامع الأموي إلى دار الخيل وبالنتيجة رضخ الحكّام الجدد أمام الأمر الواقع وأعادوا المحراب المركزي إلى الشافعيّة.
تعيّن مع ذلك إيجاد محراب لأتباع أبي حنيفة إذ تزايد عددهم باضطراد وبناءً عليه خُصِّصَ لهم محراب في جنوب شرق الحرم بين الأعمدة الفاصلة بين الحيّزين أو المعزبتين الأولى والثانية.
محراب الحيّز miḥrāb de travée هذا كان سهل النقل صُنِعَ على الأرجح من الخشب. ظلّ هذا النوع من المحاريب قيد الاستعمال حتّى عام ١٣٢٧ - ١٣٢٨ للميلاد عندما أزيلت ليحلّ محلّها محاريب دائمة في تجويفات في جدار الحرم القبلي (تغيّر موضع المحراب الحنفي في هذا التاريخ مجدّداً فأصبح على الجدار الجنوبي بين المحراب المركزي وباب الزيادة).
تعيّن على الحنابلة أن ينتظروا حتّى عام ١٢٢٠ للحصول على محرابهم الخاصّ (البداية والنهاية لابن كثير) ولم أنجح في تقصّي تاريخ ظهور المحراب المالكي الأوّل.
استمرّ المذهب الشافعي غالباً على دمشق حتّى العهد الأيّوبي (صلاح الدين شافعي) ولكن عودة الأتراك مع المماليك ثمّ العثمانييّن رجّحت بالنتيجة كفّة المذهب الحنفي. تعرّضت سابقاً إلى موقع محاريب الجامع الأربعة. الصور الملحقة (المحراب الرئيس أو المركزي) من أرشيف السلطان عبد الحميد.
Jean-Michel Mouton. Damas et sa principauté sous les Saljoukides et les Bourides, 468-549/1076-1154. Le Caire, Institut français d'archéologie orientale, 1994.
No comments:
Post a Comment