توالى على دمشق العديد من الملوك الأيّوبييّن بداية من الناصر صلاح الدين عام ١١٧٤ حتّى نهاية حكم الناصر يوسف عام ١٢٦٠ منهم الذائع الصيت وعلى رأسهم مؤسّس السلالة ومنهم المغمور وعموماً يعتبر العهد الأيّوبي في دمشق عهداً ميموناً لا تزال آثاره تتحدّى غوائل الدهر وجهل البشر داخل سور المدينة وخارجه (خصوصاً حيّ الصالحيّة).
|
المدرسة الشاميّة البرّانيّة |
لم تسمح أعراف القرون الوسطى بتولّي النساء زمام الأمور لا في الشام ولا غيرها ويروى أنّه عندما صعد نجم شجر الدرّ في وادي النيل بعث الخليفة العبّاسي المستعصم في بغداد إلى المصرييّن رسالة فحواها أنّه إذا خلت مصر من الرجال فإنّه على استعداد لإرسال من يحكمهم من بطانته. هذا لا يعني انعدام دور المرأة فهو أبداً موجود من وراء الكواليس إن لم يكن على رؤوس الأشهاد وعلى ما يبدوا تميّز الأكراد في هذا المجال إذ يخبرنا العالم الألماني Herzfeld عن سيّدتين كرديّتين حكمتا قبائلهما بسلطة تجاوزت سلطة الرجال ووقف أمامهما أعظم الأمراء منتصبين كما يفعلون في حضرة الملوك.
أنجب نجم الدين لأيّوب عدداً من البنين أشهرهم صلاح الدين والملك العادل ويخبرنا تاريخ دمشق عن اثنتين من بناته ذاع صيتهما في المدينة: الأولى ربيعة خاتون التي تركت لنا المدرسة الصاحبيّة أو الصاحبة في حيّ الصالحيّة وقرينة مظفّر الدين كوكبوري صاحب أربيل الذي ينسب إليه الجامع المظفّري أو جامع الحنابلة، أمّا الثانية فهي أختها غير الشقيقة عصمة الدين خاتون ستّ الشام.
تزّوجت ستّ الشام عمر بن لاجين وأنجبت منه حسام الدين محمّد وكان زوجها الثاني (بعد وفاة لاجين) ابن عمّها ناصر الدين محمّد ابن أسد الدين شيركوه وممّا يروى عنها أنّها لعزّة محتدها كانت محرماً على خمس وثلاثين ملكاً أمّا عن مآثر كرمها وجودها فحدّث ولا حرج. توفّيت ست الشام في كانون الثاني عام ١٢٢٠ في المدرسة الشاميّة الجوّانيّة المندثرة جنوب البيمارستان النوري ودفنت في المدرسة الشاميّة البرّانيّة في سوق ساروجا (كان يدعى وقتها محلّة العونيّة) موضوع حديث اليوم. كلتا المدرستين تنسبان إليها.
|
الصورة العليا لأضرحة المدرسة الشاميّة والسفلى لضريح نور الدين |
بقي من المبنى الأصلي للمدرسة الشاميّة (الكلام هنا في مطلع القرن العشرين) مدخل بسيط وبحرة تتوسّط الصحن والتربة التي يصلها رواق مع الصحن وجميعها تشهد بتقشّف العهد الأيّوبي. غرفة الأضرحة في المدرسة فريدة في تصميمها وتختلف كثيراً عن نماذج الترب في دمشق فهي بانخفاض سقفها واتّساع مساحتها أشبه بالسرداب تزّين جدرانها وقبوتها أعمال جصيّة وزخارف شرقيّة وتتوسّطها أضرحة ابن ستّ الشام من زوجها الأوّل حسام الدين (مات عام ١١٩١) ثمّ زوجها الثاني ناصر الدين (مات ١١٨٥) ثمّ أخيها المعظّم توران شاه (مات ١١٨٦) حسب النقوش الكتابيّة على شواهد القبور.
|
المدرسة الشاميّة: الرواق على اليمين والصحن مع البحرة المتوسّطة على اليسار |
يرتأي Herzfeld أنّ هذه الأضرحة مشاهد cenotaphs فارغة وأنّ القبور الحقيقيّة مدفونة تحت الأرض أو في سرداب خاصّ ويضيف أنّ موضع قبر ستّ الشام بالذات غير معروف. في كلّ الأحوال يمكن اعتماداً على النقوش الكتابيّة الاستنتاج أنّ ستّ الشام باشرت ببناء الضريح بعد موت أخيها توران شاه ولكنّه كان لا يزال قيد الإنشاء بعد خمس سنوات وكان أوّل من دفن فيه زوجها الثاني ناصر الدين وبعده توران شاه وبعد هذا الأخير بخمس سنوات ابنها من زوجها الأوّل حسام الدين.
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica91942detr
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica101943detr
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica11121946detr
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/09/blog-post_16.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/09/blog-post_27.html