يمكن القول أنّ النماذج العماريّة للعهد الأتابكي في دمشق بقبابها المقرنصة وتخطيطها الصليبيّ cruciform إيرانيّة المنشأ تمّ استيرادها إلى بلاد الشام عن طريق بغداد أو هكذا على الأقلّ يرتأي العالم الألماني Herzfeld. ينطبق هذا الكلام على البيمارستان النوري والمدرسة النوريّة ونستطيع تعميمه مع بعض التعديلات على أوابد العهود اللاحقة بداية بالحقبة الأيّوبيّة.
يحسن هنا تحديد المقصود بكلة "مدرسة" وتمييزها عن دار العلم العبّاسيّة المشتقّة من الأكاديميّة الإغريقيّة بينما المدرسة نتاج ما أسماه البعض "ردّ الفعل السنّي" الذي بدأ في خراسان مع السلاجقة والوزير نظام الملك كمؤسّسة تعليميّة دينيّة ترعاها وتموّلها الدولة ودونها لا سبيل لوظيفة في الجهازين القضائي والمدني. نعت بعضهم القرن العاشر الميلادي "بالشيعي" مستندين في ذلك على دولة الفاطمييّن في مصر وإمارة الحمدانييّن في حلب وهيمنة البويهييّن على الخلافة العبّاسيّة في بغداد. حلّ السلاجقة السنّة محلّ البويهييّن في بلاد ما بين النهرين وشمال الشام في القرن الحادي عشر وكانت نهاية الدولة الفاطميّة في القاهرة على يد صلاح الدين الأيّوبي وقبلها حاول الفاطميّون جهدهم مقاومة المدارس وفشلوا.
عودة على بدء: أصل المدرسة السنيّة إيراني ومنه اشتقتّ دور القرآن والحديث والأربطة (جمع رباط) والخانات والبيمارستانات وبالطبع كان لا مناص للمدارس وما تبع نمطها أن تأخذ طابعاً محليّاً مع المحافظة على الخطوط العريضة المستوردة أي صحن في المنتصف يتوسّط أربعة أواوين تحلّ محلّ أحدها قاعة صلاة في المدرسة. أحد الفروقات الهامّة يين النموذج الإيراني وخلفه الشامي يعود إلى توافر المكان في إيران ومحدوديّته في الشام حيث توسّعت المدن حول أحيائها القديمة ممّا أدّى أن التركيز في سوريا كان على الاعتبارات النفعيّة ومتانة البناء (وبالتالي ديمومته) بينما ركّز الإيرانيّون على النواحي الجماليّة والتناظر والتكرار الذي لا شبيه له في تاريخ الفنّ. يصف المؤلّف هنا الفنّ الإيراني "بالملكي" بينما يطلق على نظيره السوري تسمية "المدني".
باختصار ابتكر نظام الملك المدرسة بينما يعود الفضل لنور الدين في المدرسة السوريّة أو الشاميّة ونموذج الطراز الأيّوبي المتقشّف كجزء من "ردّ الفعل السنّي" المذكور أعلاه. المدرسة-التربة هي حالة خاصّة من المدرسة انتشرت في الشام وأمّا عن الأواوين فقد ارتأى البعض أنّها خصّصت أو على الأقلّ رمزت إلى المذاهب الفقهيّة السنيّة الأربعة ولا أساس لهذا من الصحّة. لم تتمتّع كلّ المدارس بأبنية مستقلّة وعلى سبيل المثال اتّخذ بعضها الجوامع مقرّاً وخصوصاً الأموي ولكن لهذا حديث آخر.
تقع المدرسة النوريّة داخل سور مدينة دمشق في سوق الخيّاطين وتعود إلى عام ١١٦٧-١١٧٢ للميلاد وبالتالي فهي لاحقة للبيمارستان النوري الذي بني عام ١١٥٤.
التقطت الصورتان الملحقتان بين الأعوام ١٩٠٨-١٩٣٠ العليا للمدرسة النوريّة والسفلى للبيمارستان النوري.
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica91942detr
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica101943detr
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica11121946detr
https://library.si.edu/digital-library/book/arsislamica13141948detr
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/09/blog-post_16.html
http://bornindamascus.blogspot.com/2018/09/blog-post_27.html
No comments:
Post a Comment