Saturday, March 21, 2020

حدائق دمشق


العاصمة السوريّة اليوم بحاجة ماسّة إلى المساحات الخضراء بعد أن ابتلعت الأحياء السكنيّة الحديثة غوطتها في خطوات بدأت وئيدة وتسارعت اعتباراً من منتصف القرن العشرين حتّى أتت عليها أو كادت.  

لا أدلّ على فقر دمشق بالحدائق من مشهد "شمّ الهواء" على العشب في وحول ساحة الأموييّن الذي أذكره من مطلع الثمانينات على الأقلّ إذ تتجمّع العائلات مع الزوّادة وعدّة الشاي "للسيران" وسط ضجيج ودخان السيّارات. حشيش الزينة أصبح حديقة من لا حديقة له والأرصفة كراج من ليس لدية مرآب لسيّارته (الغالبيّة الساحقة من مالكيّ السيّارات). واكب هذا التكاثر للاصطفاف العشوائي والمنتزهات العشوائيّة نموّ وانتشار الأحياء العشوائيّة والأبنيّة المخالفة للقواعد الجماليّة والصحيّة. 

هذا لا يعني أنّ دمشق الحديثة خالية من الحدائق فلدينا على سبيل المثال حديقة زنّوبيا (أو السبكي: الصورة الملحقة من دليل دمشق عام  ١٩٤٩) والجلاء (على شارع شكري القوّتلي) والتجارة والمعرّي (الروضة) والأرسوزي (خلف البنك المركزي) والبيئيّة (شمال القلعة) والجاحظ وتشرين وغيرها ولكنّها في أحسن الأحوال بدائل هزيلة للغوطة الشاسعة التي قامت هذه الحدائق مع الأبنية المحيطة بها على أنقاضها. 

تمتّع الدمشقيّ تاريخيّاً ببساتين على مدّ البصر ومقاه على بردى وفروعه وإمكانيّة التنقّل في وادي بردى (من منّا ينسى مشوار قطار الزبداني العتيق؟). أضف إلى هذا وذاك صحن بيته مع تعريشته وبحرته ونافورته والأزهار والأشجار المثمرة حولها. بالمقابل للبيوت الحديثة حدائق صغيرة تحيطها يقتصر الانتفاع بها عادة على المستوى الأرضي في بناء منعدّد الطوابق والشقق. 



لدمشق القديمة وضع خاصّ فهي -باستثناء حدائق البيوت المركزيّة- خالية عمليّاً من الجنائن وينطبق هذا بالذات على المدينة داخل السور التي بدت مهدّدة في منتصف القرن العشرين لعدّة أسباب من أهمّها نزوح سكّانها عنها إلى الضواحي العصريّة وأكلاف صيانة البيوت التاريخيّة. 

قام الباحث J Witmer بدراسة هذا الوضع وأدلى بعدّة مقترحات تتعلّق بتنظيم المدينة في مقال نشرته الحوليّات الأثريّة السوريّة عام ١٩٦١-١٩٦٢ عرّبه عن الفرنسيّة الدكتور عبد القادر ريحاوي. زبدة هذه المقترحات هي التالية:

أوّلاً: الدعوة إلى إنقاذ البيوت التقليديّة بتحويلها إلى فنادق ومطاعم (طبّقت هذه النصيحة بخطى متسارعة اعتباراً من تسعينات القرن الماضي).  

ثانياً: نهى التقرير عن عزل الأوابد وإحاطتها بساحات ممّا يستلزم تدمير النسيج العمراني المحيط بها وأوصى بالاقتصار على تحسين المنافذ المؤدّية لها (لم يؤخذ بهذه النصيحة في حالة الساحة أمام باب البريد التي استحدثت في الثمانينات).

ثالثاً: المكان الوحيد الصالح لحديقة داخل سور المدينة هو القلعة وتتطلّب خطوة من هذا النوع نقل السجن منها. يمكن استعمال أبنيتها كمتحف ومكتبة ومطعم إلى آخره.

رابعاً: للأبراج السكنيّة حسناتها وسيّئاتها ويتطلّب التوسّع الشاقولي (أي زيادة عدد الطوابق) تأمين كراجات للسيّارات وزيادة الأماكن الحرّة والحدائق العامّة والخدمات عموماً (أسواق ومدارس وغيرها).






Witmer J.  Études sur l’amenagement de la ville ancienne de Damas par l’assainissement de l’existant. Annales Archéologiques de Syrie 11-12, 1961-1962. 

No comments:

Post a Comment