Monday, September 21, 2020

مكتب عنبر: المناهج المدرسيّة بين التركيّة والعربيّة


 

أكمل فخري البارودي خمس سنوات من التعليم الابتدائي التحق بعدها بمكتب عنبر ليمضي فيه سبع سنوات من ١٩٠١ إلى ١٩٠٨ كتب عنها في مذكّراته ونقل عنه الأستاذ حجا المعلومات التالية:


أعطى المكتب شهادتين الأولى متوسّطة في نهاية السنة الخامسة والثانية إعداديّة بعد إتمام السابعة. المواد المدرّسة هي الآتية: 


القرأن والعلوم الدينيّة والفقهيّة، الأخلاق، المنطق، اللغات العربيّة والتركيّة والفرنسيّة والإيرانيّة، علم الثروة، علم أحوال السماء (الفلك؟!)، جغرافيا وتاريخ (مع تركيز على الإمبراطوريّة العثمانيّة)، الصحّة، القانون، "علم الأشياء"، الرياضيّات بفروعها، الزراعة، الخطّ، الكيمياء، الحكمة (الفلسفة؟!)، الماكينة (فيزياء؟!)، أصول مسك الدفاتر، الأرض (الجيولوجيا)، النبات، الحيوان. 


من الواضح أنّ المناهج تهدف بالدرجة الأولى إلى تخريج طبقة بيروقراطيّة مهنيّة وكفوءة ولائها للإميراطوريّة العثمانيّة أمّا عن رأي البارودي (من نافل القول أنّه أدلى به بعد نهاية الحرب العالميّة الأولى) فهو باختصار "أنّهم كانوا يدوّخون رؤوس الطلبة بهذه العلوم" مضيفاً أنّ الغالبيّة المعظمى من المدرّسين كانوا من الأتراك  بما فيهم معلّم اللغة العربيّة! وأنّ عدد المعلّمين العرب لم يتجاوز الإثنين الأوّل مسؤول عن تعليم القواعد والقراءة التركيّة!! والثاني أستاذ الديانة وكلاهما من دمشق. 


بالنسبة للغة التعليم فهي تركيّة في جميع المواد والعلاقة بين العرب والأتراك (حسب البارودي) علاقة محكوم مع حاكم كما نرى في الأسطر التالية من مذكّراته:


أربعمائة سنة كانت قد مرّت على الأتراك وهم يحكمون بلادنا لمّا دخلنا مكتب عنبر وكان من الطبيعي أن يتولّد شيء من النفور بين أبناء الحاكم وأبناء المحكوم ولم يكن واحد منّا يجرؤ على رفع رأسه أمام المعلّمين ورجال الإدارة وكلّهم من الأتراك كما أنّ رهبة الحكم العثماني كانت تملأ القلوب وبسبب هذا الرعب الذي بثّه الحكم العثماني في النفوس لم نكن نجرؤ على ذكر العرب والعروبة.  


بالطبع العربيّة كانت اللغة الأمّ للأكثريّة الساحقة من الطلّاب بينما كان المعلّمون الأتراك -حسب الدكتور سامي الميداني- "جهلة وليسوا في الأصل معلّمين بل مبعدين غضب عليهم فكان إرسالهم إلى سوريا نوعاً من التأديب أو العقاب". يضرب الدكتور ميداني أمثلة ومنها أنّ "تعليم اللغة الفرنسيّة كان يتمّ بالتركيّة وكان مدرّسها جزائريّاً منفيّاً يجهل اللغة ويدرّسها للانتفاع ليس أكثر". 


تلخّص الاقتباسات أعلاه التوجّه العروبي للأستاذ جحا نقلاً عن البارودي والميداني وفي اعتقادي أنّ إسقاط العروبة بمفعول رجعي على سوريا في مطلع القرن العشرين وتحديداً قبل أن تضع الحرب العظمى (١٩١٤-١٩١٨) أوزارها فيه من المبالغة الشيء الكثير وخلط (سواءً كان عفويّاً أو مع سبق الإصرار) بين العروبة كمفهوم لغوي-ثقافي والقوميّة العربيّة كمفهوم جغرافي-سياسي. بالنسبة للسفر برلك من الأقرب إلى الصواب القول أنّ معظم السورييّن كانوا يتلهّفون لانتهاء هذا الكابوس بشكل أو بآخر بغضّ النظر عن المنتصر والمهزوم أمّا من حمل السلاح منهم فقد استمرّ معظمهم في ولاءه للقسطنطينيّة حتّى جلاء آخر جندي عثماني عن بلاد الشام. 


للحديث بقيّة.







فريد جحا. مكتب عنبر.  الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.



مكتب عنبر. الخلفيّة التاريخيّة


No comments:

Post a Comment