ذكر يوسف بن عبد الهادي (ابن المبرد: توفّي ١٥٠٣ للميلاد) مئذنتين لجامع الحنابلة وهذه أوّل إشارة في النصوص التاريخيّة لوجود أكثر من مئذنة. نقل عنه ابن كنّان (توفّي ١٧٤٠) فقال "وللجامع مئذنتان الواحدة معلومة الآن والثانية كانت في قبلة المصيف".
إذاً المئذنة القبليّة كانت دارسة في القرن الثامن عشر وعصر ابن كنّان أمّا اليوم فالتعرّف على آثارها من الصعوبة بمكان نظراً لالتصاق بعض الأبنية المحدثة بها من الخارج وإن أمكن القول أنّ بابها كان إلى جانب المنبر. أفرغ درجها لاحقاً وسقفت وجعلت مستودعاً للجامع ويبدو من مداميكها أنّها أقدم من المئذنة الباقية.
لا تزال المئذنة الشماليّة (المعدّلة) موجودة ونرى على عتبة مدخلها كتابة تأسيسيّة من أربعة أسطر بالخطّ النسخي الأيّوبي هذا نصّها:
يسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذه المئذنة المباركة العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى مظفّر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب إربل أدام الله أيّامه في أيّام مولانا الملك العادل سيف الدنيا والدين أبي بكر بن أيّوب في سنة عشر وستّمائة (*)
(*) ١٢١٣-١٢١٤ للميلاد.
رأينا أنّ الجامع بني عام ٥٩٩ (١٢٠٢-١٢٠٣) إذاّ المئذنة متأخّرة عنه بإحدى عشرة سنة ولكنّها بشكلها الحالي أحدث بكثير ولاحقة لزلزال ١٧٥٩ بدلالة أنّ القسم الحجري منها يقتصر على القاعدة (ارتفاع ٦١٠ عشير المتر) أمّا الباقي فمن الآجرّ ومن المعروف أنّ استعمال هذه المادّة في العهد الأيّوبي اقتصر على القباب والانتقال من الشكل المكعّب إلى نصف الكروي. تماثل المئذنة الحاليّة نظيراتها في الباب الشرقي وجامع حسّان وجامع جرّاح وغيرها ولا ريب أنّ جميعها رفعت من جديد بعد الزلزال المذكور.
مسقط المئذنة مربّع طول ضلعه ٤٦٥ عشير المتر أمّا عن ارتفاع جذعها فيبلغ ١٨،٨ من الأمتار يعلوه سطح مسيّج بدرابزين خشبي يتوسّطه بدن مربّع المسقط ومصمّت البناء فوقه خمس مثمّنات متراكبة تتصاغر أبعادها من الأسفل إلى الأعلى ويتوّج أعلاها قبّة صغيرة يرتكز عليها هلال نحاسيّ.
للحديث بقيّة.
أحمد فائز الحمصي. مباني الصالحيّة الأولى. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.
Jean Sauvaget. Les monuments historiques de Damas
Annales Archéologiques Arabes Syriennes. XXXV 1985 (photos).
Wulzinger & Watzinger. Damaskus, die islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924 (plan)
No comments:
Post a Comment