Tuesday, September 29, 2020

أنور السادات على طريق جمال عبد الناصر‎

 


اختار الرئيس الراحل عبد الناصر السادات نائباً له في كانون أوّل ديسمبر ١٩٦٩ و"عاهد" هذا الأخير "الشعب أن يمشي على طريق جمال ويكمل خطّته لإزالة آثار العدوان والنهوض بوطننا الكبير". هذا على الأقلّ ما كتب في عدد مجلّة سمير رقم ٧٥٩ الصادر في الخامس والعشرين من تشرين أوّل أكتوبر عام ١٩٧٠. احتلّت صورة جمال غلاف نفس هذا العدد. 


أكّد أحد الظرفاء بعد هذا بقليل أنّ السادات وفى بوعده وسار فعلاً على خطى عبد الناصر وإن حمل خلال مسيرته هذه "محّاية" (بالعربي الفصيح ممحاة) أزال بواسطتها كلّ سياسات سلفه داخليّاً وخارجيّاً وكثيراً ما تبنّى سياسات معاكسة لها ١٨٠ درجة! 


اغتيل السادات في السادس من تشرين أوّل أكتوبر ١٩٨١ خلال عرض عسكريّ في ذكرى هذه الحرب. الحكم على مآثره ومثالبه رهن بالتاريخ والشعب المصري حصراً إذ أنّه - على خلاف عبد الناصر - لم يكن يوماً رئيساً لسوريا (حافظ جمال على "الجمهوريّة العربيّة المتّحدة" كاسم مصر الرسمي في المحافل الدوليّة حتّى مماته). أضف إلى ذلك أنّ دور مصر القيادي في العالم العربي - ثقافيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً - بدأ بالتآكل مع عقد السبعينات وتدفّق أموال النفط على دول الخليج تحديداً. بقيت مصر أغنى الدول العربيّة على الإطلاق وأكثرها تقدّماً حتّى منتصف القرن العشرين ومع نهاية هذا القرن تغيّر الوضع بصورة جذريّة. 


يذكر في حسنات السادات أنّه نجح باسترجاع سيناء ويتعيّن الإقرار بأنّه استبق هزيمة الاتّحاد السوفييتي (وانهياره اللاحق) "ليراهن على الحصان الرابح" أي الولايات المتّحدة والغرب. اعتقد الرجل أنّ مصلحة بلاده تكمن في قلب تحالفاتها وليس لي أو لغيري أن يلومه على ذلك بغضّ النظر عن المهاترات الإعلاميّة المحزنة بين الدول العربيّة في النصف الثاني من السبعينات. 


للمصرييّن تقييم "الرئيس المؤمن" وشعارات "السلام والديموقراطيّة والرخاء" التي أطلقها وسياسات "القلب المفتوح والفكر المفتوح" التي تبنّاها وحتّى قيامه بعقد صلح منفرد مع إسرائيل دون استشارة حلفاء الأمس. 



بالنسبة للسورييّن كان هناك اتّفاق بين مصر وسوريا - جهد حافظ الأسد وأنور السادات لإبقائه سرّاً عن ملك الأردن - لشنّ حرب على إسرائيل في خريف ١٩٧٣ (السادس من تشرين الثاني أكتوبر لتوخّي الدقّة). لسبب أو لآخر قدّم الجانب المصري لنظيره السوري خطّة وهميّة مفادها باختصار أنّ الجيش المصري ينوي مواصلة التقدّم في سيناء نحو المضائق بعد عبور قناة السويس ولكن ما حدث فعلاً أنّ السادات أصدر تعليماته - بناءً على الخطّة الحقيقيّة - لقوّاته المسلّحة بالتوقّف بمجرّد أنّ تمّ العبور وخرق خطّ بارليف ممّا سمح لإسرائيل بتركيز جهودها في الجبهة الشماليّة وعرّض القوّات السوريّة لضغط هائل بدا معه للبعض وقتها  أنّ إسرائيل على وشك احتلال دمشق وأنّ الجيش السوري برمّته سائر على طريق الدمار. 


في هذه الأثناء كان السادات يتواصل سرّاً مع الولايات المتّحدة مطمئناً الإدارة الأمريكيّة أنّه لا ينوي توسيع مدى المعركة ولكنّه لم يكن مستعدّاً للوقوف مكتوف الأيدي تجاه خطر انهيار سوريا والجبهة الشرقيّة التي اجتهد في بنائها وبالتالي اضطرّ مكرهاً لإرسال مدرّعاته إلى سيناء في الرابع عشر من تشرين أوّل أكتوبر خلافاً لرأي قادة جيشه وخصوصاً الفريق سعد الدين الشاذلي الذي عارض وبحقّ مغامرة من هذا النوع خارج الغطاء الصاروخي. مع الأسف تحقّقت أسوأ مخاوف الشاذلي ودمرّ سلاح الجوّ الإسرائيلي مئتين وخمسين من الدبابات المصريّة في مجزرة سهّلت على تلّ أبيب التقدّم خلال "ثغرة الدفرسوار" فيما بعد وتطويق الجيش الثالث وبالتالي فرض هدنة تحت ظروف أسوأ بكثير من المأمول. 


صدّ السوريّون مع ذلك تقدّم إسرائيل عند سعسع وأنهى الإسرائيليّون حصار الجيش الثالث عندما ناشدهم الدكتور هنري كيسنجر أن يفعلوا ذلك في محاولة منه "لإنقاذ الإسرائلييّن من أنفسهم" وإعطاء الصلح فرصة كما كتب في الجزء الثاني من مذكّراته (سنوات القلاقل) "ليس بوسعكم أن تدمّروا الجيش الثالث وإذا فعلتم فستدمّرون السلام". 


هل خان السادات سوريا في حرب تشرين-أكتوبر؟ لا يمكن اتّهام رجل ضحّى بمئات من مدرّعاته في محاولة يائسة وشجاعة (وإن أتت بعد فوات الأوان) لتخفيف الضغط عن حلفائه السورييّن بالخيانة والأصحّ أن يقال أنّه أخطأ عندما لم يعلمهم سلفاً بنواياه الحقيقيّة التي لم تتجاوز "تحريك" أزمة الشرق الأدنى بغية الحصول على سلام عادل أو على الأقلّ كافٍ لحفظ ماء الوجه وتبرير ما دفعته بلاده من النفس والنفيس في مواجهتها المتكرّرة مع إسرائيل . 


الخلاصة حاول الرئيس المصري تدارك هفوته عندما بدت دمشق على وشك السقوط وقام بإرسال جيشه إلى سيناء خارج غطاء الصواريخ الروسيّة الصنع بعد ضياع عنصر المفاجأة وزوال الفرصة ودفعت مصر ثمناً باهظاً في الأرواح والمعدّات نتيجة لهذا التذبذب.      

No comments:

Post a Comment