Friday, September 18, 2020

تيمورلنك في دمشق



رأينا أمس أنّ ملك التتار انتقل من قبّة يلبغا إلى القصر الأبلق في التاسع من كانون الثاني عام ١٤٠١ بيد أنّ إقامته في هذا المكان الأخير اقتصرت على يومين فقط قبل أن يتركه إلى دار بتخاص السودوني أحد قوّاد المماليك. كانت هذه الدار ملاصقة للمسجد الذي أنشأه هذا القائد في سويقة صاروجة (سوق ساروجا) على ناصية حارة ابن صبح المعروفة اليوم بحارة قولي. أسر السودوني في إطار غارة تيمور على دمشق ومات على ضفاف الفرات خلال انسحاب التتار من الشام لاحقاً في عام  ١٤٠١ أمّا عن البناء فيفيد الدكتور مظهر شهاب أنّه يحمل إلى اليوم كتابة مهترئة تشير إلى بانيه ذكرها أسعد طلس في تعليق له على ثمار المقاصد في ذكر المساجد لابن عبد الهادي كما يلي:


عمارة الإسفهسلار الكفيلي الزعيمي المجاهدي السيفي الملكي بتخاص السودوني الظاهري أعزّه الله


أضاف طلس أنّ البناء مكوّن من قسمين: مصلّى مع مدفن ودار صغيرة مقتطعة منه. رمّم بلبان أتابك العسكر في دمشق البناء عام  ١٤١٦ (باستقراء النعيمي والعلموي) ودفن فيه ١٤٣٢ ولحقه ابنه فيما بعد ولا يزال القبران قائمين في مدخل المسجد إلى اليوم وهو حاليّاً مسجّل لدى المديريّة العامّة للآثار والمتاحف تحت اسم مسجد بلبان ولم يبق منه إلّا المصلى ومدخل المنزل. 


لم يشر ابن خلدون إلى إقامة تيمور في منزل بتخاص السودوني ويبدوا أنّها كانت قصيرة للغاية انتقل بعدها إلى تربة منجك خارج باب الجابية وعلّ السبب قرب دار السودوني من القلعة ومجانقها وخشية تيمور على سلامة شخصه (استغرق حصار القلعة تسعة وعشرين يوماً). 


شغل منجك نيابة دمشق عدّة مرّات آخرها  ١٣٦٩-١٣٧٤ للميلاد توفّي بعدها ودفن في القاهرة أمّا التربة المذكورة فهي لابنه فرج إلى الجنوب من الأفريدونيّة (هذه الأخيرة موجودة إلى اليوم). تربة فرج بن منجك في حكم الدارسة اليوم باستثناء بقايا من جدرانها. 


من شبه المؤكّد أنّ تيمور حلّ في هذه التربة عندما كان صاحبها حيّاً يرزق وامتدّت إقامته فيها أكثر من أي مكان آخر في دمشق وقابل ابن خلدون فيها من جديد وتدارس مع مرؤوسيه كيفيّة قطع الماء عن القلعة المحاصرة تحت سمع وبصر كاتب المقدّمة. 


تردّد تيمورلنك بين تربة منجك والقصر الأبلق حيث أجرى عدّة مباحثات إضافيّة مع ابن خلدون الذي أغدق الهدايا على ملك التتار ومن بينها مصحف وسجّادة ونسخة من قصيدة البردة للبوصيري وأربع علب من الحلوى المصريّة الفاخرة (رواية ابن خلدون نفسه). 


انسحب التتار من دمشق في مطلع شعبان الموافق العشرين من آذار  ١٤٠١ بعد أن أضرموا النار في المدينة والقصر الأبلق على مشارفها. 





مظهر شهاب. منازل تيمورلنك في دمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.


منازل تيمورلنك في دمشق




William M Brinner. A Chronicle of Damascus 1389-1397. University of California Press 1963. 

No comments:

Post a Comment