انتهى عهد الموسوعات الورقيّة عمليّاً مع نهاية القرن العشرين. بعض العوامل التي أدّت إلى هذه النتيجة يتعلّق بالتزايد الأسّي للمعلومات ممّا جعل اختزانها في مجلّدات صعباً والبعض الآخر يتعلّق بالسهولة النسبيّة لتجديد وتنقيح والإضافة إلى الموسوعات الحديثة الرقميّة خصوصاً من الناحية الاقتصاديّة. كنت ولا زلت ممّن يفضّلون القراءة في كتاب ومع ذلك لا أملك إلّا أن أقرّ بمزايا الوسائط الالكترونيّة الأرخص بما لا يقاس والأكثر موائمة لمن يهوى المطالعة ولا يستطيع أو لا يريد لأن يخصّص غرفة كاملة أو حيّزاً كبيراً من منزله للكتب والمراجع.
للفرنسييّن الأسبقيّة في مجال الموسوعات الشاملة منها (بداية من القرن الثامن عشر ودائرة معارف Diderot و d'Alembert) والاختصاصيّة كالموسوعة الطبيّة الجراحيّة encyclopédie médico-chirurgicale في القرن العشرين وبالطبع لم يتأخّر ناطقو الإنجليزيّة بالإدلاء بدلوهم في Britannica وغيرها وأمّا عن الموسوعات العربيّة فكان رائدها بطرس البستاني في القرن التاسع عشر. اليوم لدينا على الشبكة الويكيبيديا المجّانيّة في عشرات اللغات عل الأقلّ وهي مصدر لا يمكن الاستهانة به على عيوبه وأخيراً يبقى Google مرجعاً لا يقدّر بثمن لمن يحسن استعماله ويستطيع التمييز بين المعطيات الموثوقة والخزعبلات وما أكثرها.
من المفارقات أنّ أفول نجم المصادر الورقيّة على مستوى العالم تزامن مع ولادتها في سورية كما اكتشفت مؤخّراً عندما تلقيّت هديّة نفيسة تتمثّل في ثلاث مجلّدات فاخرة يبلغ مجموع صفحاتها حوالي ١٥٠٠ مطبوعة على ورق صقيل ومزيّنة بالمئات من الصور والمخطّطات والخرائط العالية النوعيّة والدقّة ومخصّصة -أو على الأقلّ مركّزة- على الآثار في سورية . بقليل من البحث تبيّن لي أنّ هذه الموسوعة ليست الأولى من نوعها في بلاد الشام فهناك أيضاً "الموسوعة القانونيّة المتخصّصة" و"الموسوعة الطبيّة المتخصّصة" والأخيرة بالذات تثير الدهشة إذا أخذنا بعين الاعتبار التسارع الهائل للمعلومات في هذا المجال.
لا تزال موسوعة الآثار في بداياتها إذ يغطّي المجلّدان الأوّل (٢٠١٤) والثاني (٢٠١٥) حرف الألف فقط بينما يغطّي الثالث (٢٠١٧) الباء. كميّة المعلومات فيها كبيرة والجهد المبذول فيها أكثر من جدير بالاحترام وقد سررت بقراءة العديد من مقالاتها وهي تختلف باختلاف المؤلّف وليس جميع من ساهم فيها في عداد الأحياء اليوم. الأبحاث المطروحة مذيّلة بذكر لأهمّ المراجع في عدّة لغات لمن يريد التوسّع ومعالجتها مهنيّة وراقية وفيها كثير من التفاصيل التي كنت أجهلها حتّى عن مواقع وأشخاص ومواضيع كنت أعتقد معرفتها حقّ المعرفة.
هناك بعض الأخطاء ولكنّها ليست ذات بال وكان من الممكن تلافيها بمراجعة النصّ عدّة مرّات قبل إرساله للمطبعة وإذا كان هناك مآخذ تستحقّ الذكر على هذا العمل الرائع فأذكر منها اثنين:
الأوّل يتعلّق بالتبويب. ترتيب المواضيع حسب الاسم وليس حسب التصنيف (أي ذكر الأوابد تحت بيت، مدرسة. كنيسة، جامع...) بالطبع قد يخالفني الكثيرون هنا وأتفهّم وأحترم وجهة نظرهم.
الثاني في مدى التغطية. تقول المقدّمة أنّ المقصود بسورية هو سورية الجغرافيّة وهي تشمل الأردن وفلسطين ولبنان وأجزاء من تركيّا إلخ. كلام وجيه ولكن كثير من الأبحاث المطروحة تمتدّ إلى مصر وبلد الرافدين وحتّى العالم الإغريقي واللاتيني وغيرها خارج بلاد الشام . على سبيل المثال الصفحة ١٦٢ من الجزء الأوّل تدرج مقالاً عن الإتروسكييّن Etruscans لا أرى أي علاقة قريبة أو بعيدة بينه وبين سوريا. يمكن القول "زيادة الخير خير" وتحفّظي هنا أنّ التوسّع بهذا الشكل يمكن أن يجعل دائرة المعارف أكبر حجماً بكثير من المقصود وأبعد متناولاً من النواحي الاقتصاديّة والعمليّة عن المهتمّين.
خالص الشكر لكلّ من ساهم في هذا العمل القيّم من الكتبة والمشرفين والفنّانين إلى المطابع ومنضّدي الأحرف والمصوّرين الذين تضافرت جهودهم لإخراجه في أبهى حلّة.
No comments:
Post a Comment