بدأت هذه الرحلة تحديداً في ٢٦ نيسان عام ١٨٩٥ انطلاقاً من نهر الكلب باتّجاه الشمال لتغطّي الساحل السوري بكامله حتّى أنطاكية إضافة إلى وادي العاصي وحلب وملحقاتها وانتهت في ٢١ حزيران من نفس العام في نقطة البداية بيروت. الكتاب إذاً لا يغطّي سوريا بكاملها ولا نجد فيه إلّا ذكراً عابراً لحوران وتدمر ودمشق على سبيل المثال وليس الحصر. تأخّر تاريخ صدوره حتّى ١٩١٣-١٩١٤ أمّا عن الناشر فهو المعهد الفرنسي للآثار الشرقيّة في القاهرة تحت إدارة العالم Pierre Lacau (١٨٧٣-١٩٦٣).
الكتاب من تأليف عالم الخطوط العربيّة Max Van Berchem (١٨٦٣-١٩٢١) -الذي كان لابنته Marguerite فضل المساهمة بكشف فسيفساء جامع دمشق الأموي لاحقاً- بالاشتراك مع مهندس العمارة Edmond Fatio (١٨٧١-١٩٥٩) وكلاهما سوسريّان. يقارب عدد صفحات الكتاب الخمسمائة إذا شملنا صوره (حوالي المائتين) التاريخيّة وفهارسه المتعدّدة ويمكن مراجعته بالمجّان على الروابط الملحقة.
كثير هم الرحّالة والمستشرقين الذين زاروا سوريا ووصفوها في القرن التاسع عشر ولكن Van Berchem لم يكن من الهواة والعمل مهني ومحترف وعلمي من ألفه إلى يائه يبدأ بوصف وسائل القياس (الارتفاعات والمسافات والضغط الجوّي وما شابه) ثمّ ينتقل إلى تقصيل مساره ذهاباً وإياباً مع الزمن الذي يتطلّبه التنقّل من موضع إلى الذي يليه في وقت كانت المواصلات المتوافرة -إذا توافرت على الإطلاق- تقتصر في معظمها على ظهور الدوابّ.
بالنسبة لمتن الكتاب يتبع المؤلّف منهجاً لا يحيد عنه في وصف الأوابد التي صادفها (حسب ترتيبها على مساره) يبدأ بخصائص الموقع وعمارته وموقعه وتقسيماته ويرفقها بالخرائط المبسّطة مع كثير من الصور ويقارن بين الموجودات في البناء وبين مثبلاتها في منشئات مماثلة بهدف تأريخه منذ البداية مع التعديلات التي طرأت عليه لاحقاً ويحاول الموائمة بين ما رآه على أرض الواقع وبين ما هو مكتوب عن المواقع قيد الدراسة في النصوص التاريخيّة المحليّة منها والأجنبيّة إذا وجدت. الخطوة التالية إعطاء موجز لتاريخ البناء يختمها بخلاصة يحاول فيها فرز المعلومات ونقدها وتثبيتها أو نفيها اعتماداً على محاكمته واستنتاجات من سبقوه. تتفاوت المساحة المكرّسة للتغطية حسب أهميّة المكان (الحيّز المخصّص لقلعة الحصن حوالي ثلاثين صفحة ما عدا الصور العديدة) وإن حاول جهده عدم إهمال أيّ من المعالم التي صادفها اعتقاداً حقّاً منه بأنّ الكثير منها آيل إلى الاندثار في السنوات المقبلة وأولى أن يحاول توثيقها قبل أن تختفي إلى الأبد.
كتاب في غاية الأهميّة مكرّس للطبوغرافيا والآثار والتاريخ ولا يزال مرجعاً يستشهد به حتّى اليوم.
No comments:
Post a Comment