يتعيّن هنا التنويه بأنّ المعلومات المتوافرة للغربييّن --وحتّى لأهل البلاد- عن الأقليّات السوريّة في القرن الثامن عشر كانت أكثر من متواضعة وعلّ كتاب المستشرق الفرنسي René Dussaud عام ١٩٠٠ كان أوّل الدراسات العلميّة عن النصيرييّن (أو العلوييّن اعتباراً من القرن العشرين). من هنا نستطيع أن نعذر الكونت de Volney الذي كتب عام ١٧٨٧ معتمداً على ما نقله العلّامة الماروني يوسف بن سمعان السمعاني (١٦٨٧-١٧٦٨) ولم يكن هذا بالشيء الكثير ناهيك عن خلط التاريخ مع الخيال والقيل عن قال.
مع هذه التحفّظات وغيرها لربّما كان من المفيد تلخيص المعلومات عن العلوييّن في كتاب "رحلة في مصر وسوريا" كما هي للبيان والذكرى.
يقطن النصيريّون الأراضي التي تمتدّ على جبال الساحل السوري من أنطاكيا شمالاً إلى النهر الكبير جنوباً ويدفعون الجزية لباشا طرابلس. جبالهم أقلّ وعورة من جبال لبنان (الغربيّة) وبالتالي أسهل على الزراعة وأكثر قابليّة لمحاصيل التبغ والحبوب والكروم والزيتون ومع ذلك فهي أقلّ اكتظاظاً بالسكّان من موطن الموارنة والدروز وهذا يعود لسهولة دخول الأتراك إليها وبالتالي إثقالها بالضرائب وإفقار أهلها.
يرجع السمعاني أصول النصيريّة إلى العام ٨٩١ للميلاد وشيخ ورع زاهد في قرية نصر (نصار؟!) قرب الكوفة. سجن هذا الشيخ عندما ازدادت شعبيّته وكثر أتباعه ومريديه ولكنّه فرّ بمساعدة ابنة السجّان وكتب لاحقاً أنّه رأى المسيح الذي هو بنفس الوقت أحمد بن محمّد من نسل علي الذي هو أيضاً جبريل. قال المسيح-محمّد-جبريل للشيخ المذكور أنّه الروح القدس ويحيى بن زكريّا وأوعز إليه بنشر رسالته بين الناس ومن تعاليمها اتّخاذ القدس قبلة وتحريم الجعة مع السماح بالخمر وعدم غسل القلفة وعدم أكل اللواحم. تختلف المعتقدات بين الإيمان بالتقمّص لدى البعض ورفض خلود الروح لدى البعض الآخر.
خلط المؤرّخ الصليبي وليام الصوري (١١٣٠-١١٨٩) بين النصيريّة والإسماعيلييّن (الباطنيّة أو الحشّاشين حسب المصدر والكاتب والفترة الزمنيّة).
يقسم النصيريّون إلى مذاهب الشمسيّة (عبدة الشمس) والكلبيّة (عبدة الكلب) والقدموسيّة (عبدة الأعضاء التناسليّة الأنثويّة) ويرتأي de Volney أنّ ما ينسب إليهم من الفواحش ليس مستحيلاً على التصديق إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى الشذوذ الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان خاصّة في الشرق حيث يتفشّى الجهل والسذاجة والاستعداد لتقبّل أكثر الخرافات تفاهة ومنافاة للعقل.
بقيت جبال النصيريّة منيعة إلى حدّ كبير على المسيحيّة ممّا سهّل التغلغل الإسلامي فيما بعد.
المقال المقبل عن الموارنة.
No comments:
Post a Comment