لا غرابة أن ينظر الرحّالة الأوروبيّون إلى أهرام مصر كلغز مستعصٍ يتحدّى العقول في عهد سبق فكّ طلاسم حجر رشيد وفي زمن كان جهل سكّان مصر بالماضي السابق للمسيحيّة -إن لم نقل الإسلام- يكاد يكون مطبقاً. اقتصرت المصادر العربيّة عمليّاً على القرآن والسرد الإسلامي أمّا المصادر الغربيّة فاعتمدت على الكتاب المقدّس -خصوصاً العهد القديم- وما نالته أيديهم من الأعمال الكلاسيكيّة وأهمّها الإغريقيّة التي تركها لنا هوميروس (القرن السابع قبل الميلاد أو قبل) وهيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد).
كيف بنيت الأهرامات ومتى بنيت ومن بناها وبأي هدف؟ هذه بعض الأسئلة التي حاول الفرنسي de Volney إجابتها دون الكثير من النجاح وحتّى قياس أبعادها بدقّة معقولة بدا له من الصعوبة بمكان وإن استنتج بعد البحث والتمحيص أنّها قبور قلّد نماذجها فيما بعد العبرانيّون في أضرحة أبشالوم وزكريّا المتواجدة في وادي يهوشافاط قرب القدس.
نقل المؤلّف عن هيرودوت رأيه الذي أفتى بأنّ باني الهرم الأكبر هو خوفو "ثاني الملوك بعد Proteus" وعلى اعتبار أنّ هذا الأخير كان إلهاً للبحر في الأساطير الإغريقيّة زمن حرب طروادة فهذا يعني أنّ الهرم المذكور بني حوالي ١٤٠-١٦٠ سنة بعد هيكل سليمان أي تقريباً العام ٨٥٠ قبل الميلاد.
صمدت أهرامات الجيزة رغم القرون وتجاوزات البشر ولا تزال شامخة بعد أكثر من ٤٥٠٠ سنة من بنائها (وليس ٢٩٠٠ سنة كما اعتقد Volney) ولا بعود الفضل في هذا لحجم حجارتها الهائل فحسب وإنّما أيضاً لموقعها خارج المناطق المعمورة ويلاحظ المؤلّف هنا وبحقّ أنّ صحراء الصعيد وقلّة السكّان فيه لعبت دوراً كبيراً في حماية آثاره بينما لا نجد في الدلتا الشديدة الخصوبة الشيء الكثير بعد أن دمّر أهلها معالمها القديمة سواء بدافع نفعي لاستعمال مواد بنائها في عمائرهم أو عن دوافع دينيّة.
المرحلة التالية في تجوال Volney سوريا أو ما يسمّى برّ الشام.
ReplyDeleteمن أفضل المقالات على الإطلاق صراحة تستحق التعمق أكثر واكثر اتمني ان تنشئ كتاب الكتروني يحتوي على جميع مقالاتك وترفعه على جوجل بلاي سيكون الامر مرحب به جدا خصوصا كون محتواك فريداً
خبير سيو
محترف سيو
خدمات سيو
شكراً لاهتمامك سيّدي الكريم
Delete