Friday, May 1, 2020

دوما


تحوّل عدد من قرى الغوطة مؤخّراً إلى مدن بكلّ ما في الكلمة من معنى وابتلعت دمشق كثيراً منها واندثر بعضها لسبب أو لآخر. في كلّ الأحوال ما كتب عن هذه القرى التاريخيّة أقلّ بكثير ممّا تستحقّ ومن هذا المنطلق حاول الأستاذ وصفي زكريّا ( ١٨٨٩-١٩٦٤) لفت الأنظار إلى دوما ليس كنموذج للتجمّعات العمرانيّة في واحة دمشق فحسب وإنّما أيضاً مركز القضاء وعاصمة الغوطة الشرقيّة وأكبر قراها. 

نشر مقال زكريّا في عدد الحوليّات الأثريّة السوريّة الأوّل الصادر عام ١٩٥١ في وقت بلغ عدد سكّان دوما فيه ٢٠٠٠٠ نسمة أمّا عن الوصول إليها فيتمّ إمّا بواسطة الترام أو طريق السيّارات الموازي له بداية من القصّاع ومروراً بجوبر وعربيل (عربين) وحرستا. يبلغ طول هذا الطريق ١٢ كيلومتراً. بالنسبة لحدودها (الخريطة الملحقة) فهي حرستا من الغرب ومسرابا من الجنوب والدوير والقصير والريحان والشفّونيّة من الشرق والتلّ من الشمال. 

يتغنّى المؤلّف -علاوة على جمال الغوطة وثمار المشمش وحلاوة العنب الدوماني- بما وصفه "بروعة وعمران طريق السيّارات وما ينشأ على جانبيه من معامل الغزل والنسيج والزيوت والكبريت" التي "تعجّ بالعمّال" وتدلّ على نهضة صناعيّة قويّة تبشّر بالخير العميم لبلاد الشام". من المفهوم أنّ احنمال انقراض الغوطة رغم هذه "النهضة الصناعيّة" أو لربّما كنتيجة لها ولغيرها من العوامل كان بعيداً عن أذهان معظم الناس في منتصف القرن العشرين بما فيهم الأستاذ زكريّا ولكن ما علينا. تجدر الإشارة هنا أنّ مساحات كبيرة من أراضي قضاء دوما وقتها كانت مملوكة لأسر دمشقيّة. 

عن تاريخ دوما القديم لا نملك الشيء الكثير وليس لها مؤلّفات خاصّة بها أو تركّز عليها. ذكرها ياقوت (توفّي ١٢٢٩ للميلاد) باختصار في معجم البلدان أمّا عن تاريخها الحديث فقد عانت كغيرها خلال أحداث الثورة السوريّة الكبرى بين الحملات الفرنسيّة ولجوء سكّان القرى المجاورة إليها وإحراق الثوّار لدار الحكومة القديمة والدور المجاورة. 

حصّة دوما من أهل العلم والأدب أقلّ من حصّة داريّا (عاصمة الغوطة الغربيّة) رغم أنّ هذه الأخيرة أصغر منها وأقلّ سكّاناً. من أعلام دوما عبد القادر بدران (توفّي ١٩٢٧) صاحب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال وتهذيب تاريخ ابن عساكر. 

أبنية البلدة من اللبن وليس فيها أثار تاريخيّة اللهمّ باستثناء جامعها الذي يقال أنّه بني على موضع دير سابق وكان فيه قبلها تمثال حجريّ لآلهة الشمس لا أثر له اليوم. واقف الجامع أو بانيه شهاب الدين محمود بن بوري بن سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين وكان ذلك عام ٥٣١ للهجرة (١١٣٦-١١٣٧ للميلاد) بدلالة نقش كتابي تاريخي على حجر في الجدار الشمالي لصحن الجامع. تمّ العثور على جرّة صغيرة فيها نقود ذهبيّة أثريّة خلال توسيع الجامع عام ١٣١٨ للهجرة (١٩٠٠-١٩٠١ للميلاد) ويقول الأستاذ زكريّا أنّ هذه النقود أنفقت في سبيل الجامع دون إعطاء أي تفاصيل كميّة أو نوعيّة عنها وعلى الأغلب لم يكن يملك هذه المعلومات. 

أخيراً لدينا خان القصير على بعد أربعة كيلومترات شرق دوما وهو مذكور في رحلة ابن جبير (زار دمشق ١١٨٤ م) وفي ياقوت. رمّمته دائرة الصحّة عام ١٩٣١ وجعلته مشفىً للأمراض العقليّة (مستشفى ابن سينا) وبني لاحقاً مشفىً آخر للمجذومين من قبل جمعيّة خيريّة أجنبيّة.




وصفي زكريّا. الخطط والآثار في بعض بلاد الشام. الحوليّات الأثريّة السوريّة المجلّد الأوّل ١٩٥١.



   

No comments:

Post a Comment