Sunday, May 24, 2020

قصر الحير الغربي في متحف دمشق الوطني: اللوحة الثانية


تحتلّ هذه اللوحة أرض الغرفة ١٤ بأبعاد ١٠،٨٧ متر x ٤،٤٥ متر. فلنستعرض وصفها باختصار وتصرّف عن Schlumberger كما فعلنا أمس في لوحة الغرفة ١٩.

تتصدّر هذه اللوحة fresque ميداليّة قطرها العمودي ١،٨٠ متر نرى فيها صورة نصفيّة لامرأة شعرها مفروق من المنتصف تتدلّلى منه خصلتان صغيرتان على جبينها ويطوّق جيدها عقد من اللؤلؤ تحته ثعبان أحمر اللون. لا نرى ثياباً باستثناء منديل عليه فواكه تمسكه في يديها. يحيط بالميداليّة شريط أحمر مزين باللآلىء المحتوية على باقات صغيرة. لربّما كانت الصورة تمثّل غايا Gaïa أو Gê الربّة الأمّ أو الأرض أو إلهة ما. 

تقسم الميداليّة الحقل إلى قسمين السفلي منهما مشوّه أمّا العلوي فهو في حالة جيّدة نشاهد فيه قنطورين centaure (كائن خرافي نصفه بشري) يلتوي القسم الخلفي منهما ثلاث مرّات كأنّه أفعى ضخمة سوداء اللون ومشعرة أضيف إليها قوائم خلفيّة تشبه أطراف الكلب وزعانف صغيرة. يمثّل القسم الأمامي البشري رجلاً ملتحياً مفتول العضلات بارز السرّة يمدّ يده اليمنى ويحمل حربة في يسراه.  

نرى في أسفل اللوحة على اليسار ثعلباً يتذوّق عنقوداً من العنب وفي المركز طائراً مائيّاً échassier طويل الساقين وإلى اليمين طائراً مائيّاً آخر. إذا تابعنا إلى النهاية السفليّة نعاين حيواناً أشبه بالكلب يبدوا وكأنّه يطارد كلباً آخر. 

تتواجد هذه الحيوانات الطبيعيّة منها والخرافيّة في حقل غنيّ بالنباتات وتحيط باللوحة ككلّ شرائط مستقيمة سوداء وحمراء تحصر بينها كروماً زخرفيّة وارقة وعناقيداً.  

رأينا الأثر الساساني في لوحة الأمس أمّا اليوم فأمامنا فنّ مستلهم من النماذج الإغريقيّة-الرومانيّة  دون أدنى لبس سواءً في الميداليّة الرمزيّة التي نرى مثيلاتها في الفسيفساء البيزنطيّة في أنطاكيا أو الكائنات الخرافيّة والكروم التي تذكّرنا بالأنماط الكلاسيكيّة.

إذاً لدينا جنباً غلى جنب لوحتان كبيرتان يتجلّى في الأولى الأثر الإيراني الساساني وفي الثانية نظيره ومزاحمه البيزنطي السوري ولولا اكتشاف كليهما بمحض الصدفة في نفس المكان بنفس الوقت لما خطر ببال أحد أن يعزوهما لنفس الفنّانين ونفس العصر.

خلاصة الكلام استقى الفنّ الأموي من المصادر السوريّة الإغرقيّة الرومانيّة زائد الأنماط الإيرانيّة مع إجراء تعديلات هنا وهناك في هذه المرحلة المبكّرة لتطوّر طرازفنيّ جديد في الشرق الأدنى. 



سليم عادل عبد الحقّ. إعادة تشييد جناح قصر الحير الغربي في متحف دمشق. الحوليّات الأثريّة السوريّة المجلّد الأوّل ١٩٥١.

عفيف بهنسي. القصور الشاميّة وزخارفها في عهد الأموييّن. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والعشرون ١٩٧٥.





















No comments:

Post a Comment