الأرسوزي نصير القوميّة العربيّة في اسكندرون بامتياز وأحد أهمّ فلاسفة الفكر البعثي الذي ولد في سوريّا ليكرّس الفكر العروبي. أطلق أرسوزي شعار "ديننا هو التراث القومي العربي" واعتبر نفسه "نبيّ العروبة" في محاولة متعمّدة لتجاوز طائفيّة المجتمع السوري وإن غامرت باستفزاز الفكر الديني المحافظ.
درس الأرسوزي في جامعة Sorbonne في فرنسا كمؤسّسي حزب البعث العربي ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار (الأرسوزي أكبر من عفلق والبيطار بعشرة سنوات على الأقلّ) ثمّ عاد إلى سوريا ليعمل كمدرّس للتاريخ والجغرافيا في ثانويّة أنطاكيا عام ١٩٣٠. جهد المعلّم الشابّ في توجيه دروسه نحو المواضيع الوطنيّة والأخلاقيّة وأصرّ -ضارباً عرض الحائط بنظام الانتداب الفرنسي- أن يجلس طلّابه في الصفّ دون اعتبار لدينهم ومذهبهم. استفزّت جسارة الأرسوزي سلطات الانتداب وأقيل من وظيفته عام ١٩٣٣.
حضر الأرسوزي مؤتمر قرنايل في لبنان لدى تأسيس عصبة العمل القومي في العشرين من آب عام ١٩٣٣. نادت العصبة بالتحرّر من الاستعمار والسعي إلى العدالة الاجتماعيّة في برنامج سياسي-اجتماعي-اقتصادي شدّد على أهميّة تحرير وتعليم المرأة ونادى بإلغاء الحجاب (لربّما كان التركيز على الاستقلال وإهمال النواحي الاجتماعيّة من أسباب فشل الكتلة الوطنيّة في الاستمرار بعد الجلاء عندما زال بزوال الانتداب سبب وجودها). تمركزت العصبة في دمشق وانتشرت فروعها في فلسطين والعراق والأردن وعدد من المدن السوريّة بما فيها أنطاكيا.
نشطت العصبة في لواء اسكندرون وشدّد الأرسوزي على كون العروبة هويّة السورييّن الأولى بغضّ النظر عن الانتماء الديني ونجح في مسعاه إلى درجة أنّ جموعاً من مسلمي أنطاكيا أقاموا الصلاة في كنيسة عندما منع الأتراك العرب من الصلاة في جامعهم في العاشر من كانون أوّل ١٩٣٦.
اعتقل الأرسوزي في الثالث عشر من حزيران عام ١٩٣٨ و تظاهرت مئات من النساء احتجاجاً ممّا اضطرّ السلطات إلى إطلاق النار لتفريقهنّ وجرح بعض منهنّ.
لم يخل الأمر من منافسة بين العصبة من جهة والكتلة الوطنيّة من جهة ثانية. كانت العصبة عموماً أكثر تشدّداً من الكتلة في مناوئة الفرنسييّن وبالمقابل تزعّم الكتلة أبرز وأغنى أعيان سوريا ومنه اعتقادهم بأحقيّة وأولويّة تنظيمهم في زعامة البلاد والمحاماة عن مصالحها المشروعة كما فعلوا كأعيان الحضر urban notables في العهد العثماني (كتب ألبرت حوراني وفيليب خوري باستفاضة عن سياسات أعيان الحضر).
اضطرّ الأرسوزي إلى الرحيل عن اسكندرون بعد دخول الجيش التركي أنطاكيا في الخامس من تمّوز ١٩٣٨. أقام بعد ذلك لفترة في حلب ثمّ انتهى به المطاف إلى الاستقرار في دمشق وأعلن رسميّاً انفصاله عن العصبة عام ١٩٣٩ عندما عاين وضعها في دمشق وخلافات قادتها وعلّه أدرك وقتها أنّ مشروعه العروبي الذي بذل في سبيله من وقته وفكره وكفاحه قد فشل على الأقلّ فيما يتعلّق بالاسكندرون.
الصورة الملحقة للنادي العربي في أنطاكيا عام ١٩٣٧ ويظهر فيها زكي الأرسوزي معتمراً السيدارة الفيصليّة على اليسار وخلفه صبحي زخّور مع نفس غطاء الرأس. يزدهي التعليق بجمع الصورة لمختلف مكوّنات الشعب السوري: الرجل والمرأة, المدني والعسكري, البدوي والحضري.
المعلومات أعلاه تعريب واختزال عن الدكتورة دلال الأرسوزي (الرابط الملحق).
Stéphane Yerasimos. Le sandjak d'Alexandrette: formation et intégration d'un territoire
Philip S. Khoury. Urban Notables and Arab Nationalism: The Politics of Damascus. Cambridge University Press 1983.
No comments:
Post a Comment