ولد حاييم الابن البكر لشاؤول (شحادة) فارحي حوالي عام ١٧٦٠ وعيّنه أحمد باشا الجزّار رئيساً لصيرفة عكّا عام ١٧٩٠ استمرّ فارحي في شغل هذا المنصب حتّى قتل عام ١٨٢٠.
لا نعرف عنه الشيء الكثير قبل دخوله في خدمة الجزّار باشا وإن كانت هناك مؤشّرات على ذكائه كلقب الحكيم (لضلوعه في التلمود) والمعلّم ومعرفته بعدّة لغات: التركيّة والعربيّة والعبريّة والإيرانيّة ولغة اليهود الإسبان (Ladino).
يخبرنا الفيلسوف بيدبا في كتاب كليلة ودمنة (على لسان كليلة وأعتذر سلفاً للجنس اللطبف نيابة عنه) عن ثلاثٍ هنّ مجلبة للمهالك: "صحبة السلطان وائتمان النساء على الأسرار وشرب السمّ للتجربة". السلطان في هذه الحالة أحمد باشا والي عكّا (ودمشق وصيدا) الذي استحقّ لقب الجزّار عن جدارة ومن مآثر حكمه سمل إحدى عينيّ حاييم فارحي وصلم إحدى أذنيه وجدع أنفه ثمّ سجنه عام ١٧٩٤ (الصورة أعلاه للإنجليزي القبطان Francis Spilsbury يقف فيها فارحي على يمين الجزّار باشا). هناك خلافات في هذه الرواية ومن غير المؤكّد أنّ أحمد باشا (الذي كان يحجّ إلى مكّة وقتها) أمر بالتمثيل بفارحي أم أنّ أحد نوّابه أخذ المهمّة على عاتقه. في كلّ الأحوال استعاد فارحي حظوته بعد فترة وجيزة ولعب دوراً مفتاحيّاً في التصدّي لنابوليون عندما حاصر هذا الأخير عكّا عام ١٧٩٩.
سجن فارحي مجدّداً قبيل موت الجزّار عام ١٨٠٤ في ظروف غامضة واستردّ مكانته من جديد في عهد سليمان باشا الذي خلف الجزّار في ولاية عكّا. روى الحاخام Joseph Schwarz الذي أقام في القدس من ١٨٣٣ إلى ١٨٤٦ أنّ بيت فارحي كان ملاذاً للمضطهدين من جميع الأمم والأديان أمّا عن ثرائه فقد شهد Buckingham الذي زاره عام ١٨١٦ أنّه شاهد في الدار إثني عشر إلى خمسة عشر خادماً على أقلّ تقدير وهناك أيضاً شهادة الرحّالة السويسري Johann Ludwig Burkhardt عام ١٨١٢ الذي قدّر ثروة فارحي بما لا يقلّ عن ثلاثمائة ألف من الجنيهات الإسترلينيّة وهو مبلغ خيالي في مقاييس ذلك العصر يعادل عشرين مليوناً بعملة اليوم. أصبح فارحي كتخدا (بمثابة مدير للإقليم وحاكمه الفعلي) عام ١٨١٤ ودام نفوذه ما دامت ولاية سليمان باشا.
كان فارحي في أوج سلطانه لدى موت سليمان باشا عام ١٨١٨ واستعمل نفوذه ليضمن تعيين ربيبه عبد الله باشا (مملوك شركسي تبنّاه حاييم فارحي) إلى الولاية ولكن هذه الخطوة كانت شؤماً ووبالاًَ عليه إذ غار الوالي الجديد من ثروة وجاه ولي نعمته ووكلّ نسيبه ابراهيم بك بقتل فارحي في خان الفرنجي في عكّا وهكذا وصل المعلّم إلى خاتمته عام ١٨٢٠ بعد طويل عهد من المجد والسؤدد.
اكتشاف بيت فارحي أواخر القرن العشرين
يهود دمشق في العهد العثماني وقصّة بيت فارحي
Elizabeth Macaulay-Lewis. Bayt Farhi and the Sphardic Palaces of Ottoman Damascus. American School of Oriental Research, 2018.
No comments:
Post a Comment