رأينا أنّ السويقة أو السوق الصغير هي عبارة عن عقدة داخليّة في الحارة أو ساحة إذا شئنا يتركّز فيها النشاط التجاري والمهني وتتواجد دكاكين السلع الغذائيّة والضرورات اليوميّة وأحياناً بعض الخدمات والحرف. اقتبس الدكتور ناصر الربّاط المخطّط أعلاه لسويقة باب جيرون عن المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget (مع التحفّظ على الخطأ في موقع العصرونيّة) كمثال على هذا النموذج الذي يحتوي هنا على مقهى (النوفرة الشهير) وحلّاق وحمّام وفرن وتجّار الخضر واللحم والأثاث وهلمّجرّا. تمثّل سويقة جيرون إذاً الحارة كوحدة اقتصاديّة مكتفية ذاتيّاً.
يمكن النظر للحارة من عدّة أوجه ليس الاقتصادي إلّا أحدها. فلنستعرض باختصار مع الدكتور ربّاط الأوجه الباقية:
تشكّل الحارة أيضاً تجمّعاً دينيّاً أو مذهبيّاً على الأقلّ من الناحية التاريخيّة (غرب المدينة مسلم وشمالها الشرقي مسيحي بينما تركّز اليهود في الجنوب الشرقي.
بعض الحارات تتبع النموذج الإثني ethnic أي العرق والعنصر أو الأصل الثقافي واللغوي (حيّ الأكراد خارج السور إلى الشمال والشرق هو المثال الأكبر والأوضح).
هناك العوامل المادّيّة ودرجة التمدّن: مركز المدينة قديم أمّا محيطها فيستقطب القادمين حديثاً من الأرياف كما في حال الميدان بالذات نتيجة للتبادل التجاري بينه وبين حوران.
إضافة إلى النماذج السابقة شكّلت الحارة وحدة أمنيّة واجتماعيّة يسهر قبضاياتها على مراقبة العابرين والغرباء وتسود فيها العصبيّة إلى درجة قد تؤدّي لصراعات مؤسفة يستلزم فضّها تدخّل وجهاء الحارات.
أخيراً الحارة وحدة سياسيّة وإداريّة يمثّلها المختار الذي يشكّل حلقة الوصل بين أهلها وبين السلطة العثمانيّة التي يتلقّى منها التعليمات المتعلّقة بجباية الضرائب وتبليغ المطلوبين للخدمة العسكريّة وغيرها.
يمكن أن تجمع الحارة بعض هذه الوظائف-المظاهر (الاقتصادي منها والديني والإثني والأمني والاجتماعي والسياسي والإداري) وليس بالضرورة كافّة هذه الوظائف.
الرسم الملحق لساحة قهوة النوفرة.
ناصر الربّاط. الحارة في دمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.
Jean Sauvaget. Esquisse d'une histoire de la ville de Damas. Revue des Études islamiques, 1934, p. 422-480.
No comments:
Post a Comment