قصر العظم أوّل البيوتات الشاميّة الكبرى التي أتيحت لي زيارتها وكان ذلك في منتصف سبعينات القرن الماضي. ثاني وآخر دور دمشق الأثريّة بالنسبة لي كان بيت المجلّد الذي استطعت التمتّع ببقايا مجده الغابر بفضل الصديق الغالي الدكتور خالد سلطان وجرى هذا إن لم تخونني الذاكرة في مطلع عام ١٩٨٤ أي قبل ترميمه بأكثر من عشر سنوات.
كثيرة هي البيوت الشاميّة التي رمّمت لتحوّل إلى مطاعم وفنادق ومع الأسف لم يكن هذا الترميم دائماً على المستوى المطلوب وغالباً ما تحكّمت به عوامل تجاريّة بالدرجة الأولى. بالمقابل تمّ إحياء نزر يسير من هذه القصور بطريقة مهنيّة تحترم التراث للتراث والفنّ للفنّ وأذكر من البيوت التي حالفها الحظّ قصر العظم الذي جدّد في أعقاب الدمار الذي أصابه عام ١٩٢٥ وبيت العقّاد الذي قيّض الله له المعهد الدانماركي وبيت المجلّد موضوع الحديث وهناك غيرها.
يقع بيت المجلّد داخل سور المدينة في حيّ القيمريّة وتعود بنيته الحاليّة إلى أواخر القرن الثامن عشر ومنتصف وأواخر التاسع عشر. يطغى عليه طراز الروكوكو العثماني.
شيّد البيت إذاً على عدّة مراحل رئيسة الأولى منها في ١٢٠٤ للهجرة (١٧٨٩-١٧٩٠ للميلاد) بينما أنجزت المرحلة الثانية في أواخر ثلاثينات القرن التاسع عشر وإلى هذه العهد تنتمي اللوحات الجداريّة بما فيها مشهد رائع للقسطنطينيّة. أتت المرحلة الثالثة عام ١٢٧١ للهجرة (١٨٥٤-١٨٥٥ م) جدّدت فيها غرف الطابق العلوي أمّا الرابعة فعلى الأغلب بين ١٨٧٠-١٨٧٧.
امتلك سامي أفندي ابن سعيد أفندي البيت في مطلع القرن العشرين بعد أن أثرى بالتجارة بين الشام والحجاز ولربّما كان ابن سعيد آغا جبري الذي كان محصّلاً للضرائب حسب روايات الجيران. قامت كليّة هندسة العمارة في جامعة دمشق بدراسة البيت وتوثيقه بالتفصيل ورمّم بمنتهى الإتقان بداية من تشرين الأوّل ١٩٩٧. التسمية تعود لأسرة المجلّد التي اشترته في ثلاثينات القرن العشرين. كان البيت ملكاً للسيّدة نورا جنبلاط عندما صدرت دراسة الدكتور Weber عام ٢٠٠٩ ولربّما لا يزال كذلك.
الصورتان الملحقتان لقاعة استقبال وقاعة طعام. التقطت كلاهما قبل ترميم البيت.
ناصر الربّاط. الحارة في دمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.
Brigid Keenan & Tim Beddow. Damascus: Hidden Treasures of the Old City. Thames & Hudson (May 2000).
Stefan Weber. Damascus, Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009.
No comments:
Post a Comment