Saturday, July 4, 2020

البسط والطالع


الماء هو الحياة وحقّ الاتتفاع به أهمّ وأولى من تملّك الأرض التي تعتمد على السقاية.

يستمدّ البستان في الغوطة مياهه من البسط بينما يحصل البيت الدمشقي عليها من الطالع. يحسن قبل التعرّض لأوجه الشبه والخلاف بين الإثنين أن نلقي نظرة سريعة على استحقاقات مياه المدينة حسب الأولويّة.  

إذا استثنينا القلعة كملاذ المدينة الأخير في العصور الوسطى فالأفضليّة للجوامع ودور العبادة وتتفاوت الحصّة حسب حجم ومكانة الجامع. للأموي بالطبع أهميّة استثنائيّة (يأخذ الماء من القنوات وبانياس) ومن المعروف على سبيل المثال أنّ بانياس يمرّ شمال التكيّة وخلال جامع تنكز قبل دخوله المدينة. تأتي الحمّامات في المرتبة الثانية ومنها ما يأخذ مياهه من قناتين (كما في حالة حمّام القرماني في سوق ساروجا الذي يتلقّى احتياجاته من تورا وبانياس وهناك المزيد من الأمثلة) وكثيراً ما لا تتلقّى البيوت إلّا ما زاد عن الحمّامات. 

تأتي البيوت في المرتبة الثالثة وبالطبع ليست جميعها سواسيةً إذ من المعروف أنّ المكانة الاجتماعيّة والإمكانات الاقتصاديّة مكّنت عدداً من العائلات من الحصول على حصّة الأسد لبيوتهم من مخصّصات الأحياء كما في قصر العظم  وإن كان هذه الأخير حالة خاصّة. 

المخطّط الملحق مأخوذ عن Thoumin ويظهر فيه الفرق بين البسط (الغوطة) وهو عبارة عن موزّع بعتمد على صفّ الأحجار بشكل معيّن والطالع (المدينة) الذي يعتمد على تقنيّة الممصّ siphon. المبدأ واحد ويمكن تسمية الإثنين "مقسم" استناداً إلى وظيفتهما التي تتلخّص بتوزيع وتحصيص المياه. البسط مكشوف بينما الطالع مغطّى وتجرّ المياه إليهما خلال أقنية أو قساطل. غالباً ما يكون الطالع حوضاً مستطيل الشكل تظهر في وسطه فوهة القسطل التي تنجبس منها المياه ونرى على جدرانه فتحات تحدّد أنصبة هذه المياه حسب قياسها فمنها ما لا يزيد عرضه عن خمسة من عشيرات المتر ويزوّد منزلاً واحداً ومنها ما يبلغ ١٨ عشير المتر ويكفي لسدّ حاجات حيّ بكامله. يتدفّق الماء من هذه الفتحات إلى أقنية أو قساطل ثانويّة ويعتمد هذا التدفّق على فرق ارتفاع الطالع (أي الفوهة المركزيّة) عن الحوض أو البحرة المحيطة به.

ترتفع بعض هذه الطوالع عن الأرض متراً أو أكثر (كما في السبع طوالع في العمارة) وقد تكون على مستوى الأرض أو تحته وغالباً ما تزوّد بأبواب حديديّة مقفلة لحماية حقوق المنتفعين.  


تواجدت معظم هذه المقاسم على مفارق الطرقات واختفى بعضها في جدران المنازل بشكل نافذة صغيرة مزوّدة بنوافذ حديديّة أو ضمن حجرة صغيرة تفتح كالخزانة. 

الصورة عن Sack بعنوان "سبيل وطالع في العمارة الجوّانيّة".    





صفوح خير. تطوّر توزيع المياه في مدينة دمشق. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الخامس والثلاثون ١٩٨٥.







Michel Écochard, Claude Le Coeur. Les bains de Damas. Beyrouth : Institut français de Damas, 1942-1943.


Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

R. Thoumin. Notes sur l'aménagement et la distribution des eaux à Damas et dans sa Ghouta Bulletin d'études orientales IV 1934. 

Richard Thoumin, Géographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arrault 1936. 


No comments:

Post a Comment