Wednesday, February 10, 2021

خطط دمشق

 


ترك لنا العالم الراحل أكرم حسن العلبي (١٩٤٠-٢٠١٣) عدداً من الأعمال القيّمة من أهمّها كتاب خطط دمشق (عن دار الطبّاع ١٩٨٩). 


يغطّي المؤلّف في مجلّد أنيق خلال ستّمائة صفحة وأكثر من مائة صورة بالأبيض والأسود دور القرآن والحديث في دمشق والمدارس الدينيّة والمساجد والخوانق والربط والزوايا والحارات والأسواق والخانات والحمّامات والمدارس الطبيّة والبيمارستانات المندثرة منها والتي لا تزال موجودة. الدراسة بالدرجة الأولى تاريخيّة عن الآبدة ومن بناها ومتى بنيت ومن علّم فيها ولا تتعرّض للنواحي العماريّة والفنيّة والوصف إلّا ضمن أضيق الحدود وكما قال العلبي "نحن مؤرّخون ولسنا آثارييّن". من الملفت للنظر أيضاً ما لا تشمله الدراسة: لا يوجد فصول مستقلّة للترب ولا ذكر لها (باستثناء ما دخل منها في مكوّنات المدارس والجوامع) ولا البيوت والقصور ولا المقاهي ولا الأبواب ولا حتّى القلعة. التواريخ المستعملة تكاد تقتصر على التقويم الهجري ويبرّر الكاتب هذا بأنّ الكتاب عن دمشق الإسلاميّة فقط.


لا تقلّل هذه التحفّظات من قيمة العمل على الإطلاق بل على العكس: كلّما ضيّق الباحث نطاق بحثه كلّما قلّ احتمال وقوعه في أخطاء كما فعل ويفعل الكثيرون عن حسن نيّة. مع ذلك يؤخذ على الكتاب الغياب التامّ للخرائط والمخطّطات.


حرص العلبي على ذكر مصادره العربيّة منها والأجنبيّة في قرابة ثلاثين صفحة استهلّ بها عمله وصنّف هذه المصادر -التاريخيّة الأصليّة منها والحديثة- حسب أهميّتها ودرجة موثوقيّتها (احتذى في ذلك حذو كبار المستشرقين الفرنسييّن وعلى سبيل المثال Jean Sauvaget الذي ألّف كتاباً كاملاً عن مصادر التاريخ الإسلامي:  Introduction à l'histoire de l'Orient musulman و Nikita Élisséeff في دراسته الموسوعيّة عن نور الدين). 


العلبي عموماً قليل الثقة بابن شدّاد (صاحب "الأعلاق الخطيرة") ولا يعتمده إلّا إذا كان المصدر الوحيد للمعلومات وهو أيضاً أميل للعزوف عن الاقتباس ممّن نقلوا واختزلوا عن غيرهم (العلموي مثلاً عن النعيمي). بالنسبة للمصادر الحديثة خصّ العلبي "خطط الشام" للراحل محمّد كرد علي بنقد لاذع لافتاً النظر للأخطاء الكثيرة الموجودة في عمله (لا عجب إذ حاول الأستاذ كرد علي تغطية مواضيع من الاتّساع إلى درجة أنّها تحتاج إلى جيش من الأخصّائييّن كي يعطيها حقّها).


سار العلبي على نهج النعيمي الذي اعتبره -وبحقّ- من أفضل من كتب عن دمشق وبالطبع يبقى ابن عساكر وابن طولون الصالحي من المصادر التي لا يمكن لأي باحث في تاريخ دمشق الإسلاميّة الاستغناء عنها. بالنسبة لمؤلّفي القرن العشرين اعتبر العلبي الدكتور صلاح الدين المنجّد "أفضل من كتب عن دمشق على الإطلاق" أمّا عن المؤلّفين المعاصرين -خصوصاً من عمل منهم مع المديريّة العامّة للآثار والمتاحف- فقد أعطى مكان الصدارة لمؤلّفات الدكتور عبد القادر ريحاوي خصوصاً تعليقاته وتصحيحاته لترجمة الأستاذ قاسم طوير للجزء الثاني من كتاب الألمانييّن Wulzinger و Watzinger عن دمشق. لهذا الكتاب أهميّة استثنائيّة كشاهد عيان على عدد من أوابد المدينة قبل أن تندثر أو تطرأ على ملامحها وجوارها تطوّرات جذريّة (أجرى العالمان دراستهما الميدانيّة عام ١٩١٧).


أنوي في الأسابيع المقبلة التعرّض باختصار لبعض محتويات هذا السفر النفيس مع محاولة متواضعة لتغطية بعض الجوانب الجماليّة والعماريّة التي لم يتعرّض لها الأستاذ الفقيد.  





No comments:

Post a Comment