اقتبس المؤرّخ والمستشرق البلجيكيّ المولد Henri Lammens (١٨٦٢-١٩٣٧) مقتطفات من الكلمة التي ألقاها الجنرال الفرنسيّ Henri Gouraud (١٨٦٧-١٩٤٦) أمام ألاف من الأشخاص "الملتهبين حماساً" foule délirante في مناسبة إعلان دولة لبنان الكبير. كان ذلك في الفاتح من شهر أيلول عام ١٩٢٠. ألحق أدناه رابطيّ النصّ الفرنسي الكامل وتعريب هذا النصّ وأقتصر هنا على الفقرات التي اعتبرها Lammens بيت القصيد (لربّما لما فيها من البلاغة التي دانت الإعجاز) ومن خلالها نرى أنّ الخطب العصماء ورصف الكلام والعبارات الطنّانة لا تقتصر على العرب. لا ينفي هذا بالطبع أنّ الكثيرين من اللبنانييّن بالأمس وعدد لا بأس بهم اليوم يحبّون غورو ويحنّون لأيّامه (هناك شارع باسمه في بيروت إلى اليوم) بدلالة العواطف التي جاشت لدى زيارة الرئيس الفرنسي لبنان Macron من فترة ليست بالبعيدة وكأنّه المسيح أو المهدي المنتظر. ما ينطبق على لبنان ينطبق على سوريّا والدول العربيّة عموماً التي تنظر إلى الانتخابات الأمريكيّة كما لو أنّ نتيجتها ستقرّر مصير الشرق الأدنى.
هناك فروق طفيفة بين تعريب النصّ الكامل في الرابط الملحق وتعريبي لمختارات Lammens في الأسطر أدناه اعتقدته أقرب إلى "روح الخطاب". أنقل هذه المختارات كما هي مع توضيح بعض النقاط في الحواشي.
يا أهالي لبنان الكبير!
على سفوح هذه الجبال الشامخة مصدر قوّة بلادكم والحصن المنيع لإيمانها (١) وحريّتها؛
على ضفاف هذا البحر الأسطوري الذي شهد سفن فينيقيا (٢) واليونان وروما والذي مخر عليه آباؤكم المتميّزين بحدّة ذهنهم وفصاحتهم ومهارتهم في التجارة والذي شاءت الظروف السعيدة والطوالع الحسنة أن يجلب إليكم تكريس صداقة عظيمة وعريقة في القدم وهبة السلام الفرنسي؛
أمام كافّة هؤلاء الشهود على آمالكم وكفاحكم ونصركم, ومع مشاركتي لكم حبوركم وفخركم, أعلن هنا بصورة رسميّة مهيبة دولة لبنان الكبير وأحيّيها في عظمتها وقوّتها باسم الجمهوريّة الفرنسيّة....
مضت خمسة أسابيع على قيام فتية جنود فرنسا بتعزيز آمالكم عندما تلاشت على أيديهم في صبيحة معركةٍ (٣) القوى المشؤومة التي هدفت لاستعبادكم. هؤلاء الجنود إخوة من أعجبتم بهم -ولربّما غطبتهوهم- خلال أريع سنوات (٤).
جنود فرنسا عرّابو استقلالكم ولا شكّ أنّكم لن تنسوا الدماء الفرنسيّة التي أهرقت بسخاءٍ في سبيل هذا الاستقلال كما أهرقت في كثير من الحالات المماثلة.
هذا ما حداكم لاختيار علم الحريّة -أي علم فرنسا- كرمز لحرّيّتكم مع إضافة أرزتكم الوطنيّة.
وإنّي إذ أحيّي العلمين الشقيقين أهتف معكم: عاش لبنان الكبير! عاشت فرنسا!
(١) لربّما قصد غورو الإيمان المسيحي عموماً والكاثوليكي والماروني خصوصاً.
(٢) فينيقيا تشمل الساحل السوري أيضاً حتّى أوغاريت. تسمية الفينيقييّن أطلقها اليونان على الكنعانييّن.
(٣) "القوى المشؤومة" هي الجيش السوري والمتطوّعين. المعركة هي معركة خان ميسلون حيث ادّعى Lammens أنّ عدد القوّات السوريّة بلغ العشرين ألفاً وأنّها احتلّت مواقعاً غاية في المناعة. التضخيم من قوّة الخصم عادي في السرديّات التاريخيّة وحتّى المعاصرة (كما عندما ادّعت الحكومة الأمريكيّة وردّد إعلامها كالببّغاء أنّ جيش صدّام حسين عام ١٩٩٠ كان "رابع جيش في العالم"). الهدف طبعاً إظهار عبقريّة المنتصر أو بطولته إو الإثنين فليس من المجد في شيء الانتصار على خصم ضعيف.
(٤) الحرب العالميّة الأولى ١٩١٤-١٩١٨ أو كما عرفت في الفترة بين الحربين "الحرب العظمى".
خطاب غورو وإعلان دولة لبنان الكبير
Henri Lammens: La Syrie: Précis Historique II
Proclamation de la formation du Grand-Liban
No comments:
Post a Comment