عبثاً يفتّش الباحث عن صورة للصليب في لوحات كنيسة دورا أوروپوس المنزليّة أو إشارة إليه في كتاباتها. لا مناص والحال كذلك من الاستنتاج أنّ الفكر المسيحي أو على الأقلّ الرموز والشعائر قبل قسطنطين الكبير والقرن الرابع للميلاد اختلفت عنه بعدها. أنقل الأسطر التالية عن Seston مع إضافاتٍ بسيطة هدفها الإيضاح وليس المساس بالنصّ الأصلي.
لا يمكن تفسير لوحات بيت الله domus Dei في دورا أوروپوس بمعزلً عن المعموديّة وليست الردهة السادسة في الكنيسة المنزليّة domus ecclesiae مصلّى خاصّ بأهل البيت ولا مثوى لرفات شهيد martyrium بل هي غرفة عمادة جالية المدينة المسيحيّة في زمنٍ - القرن الثالث للميلاد - تناول فيه المؤمنون القربان Eucharist في قاعةٍ بسيطة وليس في باسيليكا مهيبة كما في العصور اللاحقة. بإمكان الحضور أن يتعلّموا معتقدهم بالتأمّل في قصص الجدران المصوّرة. أوّل شروط الخلاص الإيمان ببعث المسيح وانتصاره على الموت وقوى الطبيعة ومن ثمّ يغفر يسوع - نبيّاً ومسيحاً - آثام الناس ويحرّرهم من وطأة الخطيئة الأصليّة وقيود الشريعة الموسويّة وبعدها تزوّدهم المعموديّة بالسلاح الضروري لمواجهة الشرّير ويقودهم الراعي الصالح (يوحنّا الإصحاح العاشر الآية الحادية عشرة) إلى المثوى الأبدي لأبناء الله (قورنثوس الثانية الإصحاح الخامس الآية الأولى وغيرها).
لا ريب أنّ لوحات بيت المعموديّة في كنيسة دورا تعكس فكر جاليتها المسيحيّة الصغيرة بمنتهى الأمانة وهذا الفكر لا يستمدّ الخلاص من تضحية يسوع على الصليب (كما في Theologia Crucis أو لاهوت الصليب الذي اعتمده مارتن لوثر عن القدّيس بولس) بل بالأحرى من لاهوت المجد Theologia Gloriae المتمثّل بانتصار المسيح على الطبيعة والردى + أسرار الكنيسة المقدّسة.
تينّى مسيحيّو رومية في ذلك العصر نفس المعتقدات المتعلّقة بالقيامة والبعث بيد أنّ فنونهم اقتصرت على عرض الصور المقتبسة من النصوص المقدّسة وكأنّ أحبارهم ومريديهم عجزوا عن الربط بينها لتشكّل فكراً شاملاً. بالمقابل ألهم لاهوت الشرق في القرن الثالث فنونه وتجلّى عبرها. زيّنت كنائس رومية في مطلع القرن الرابع باللوحات والفسيفساء وعكست صورها بالنسبة للمؤمنين الكتاب المقدّس دون مزيد وتطوّرت العقيدة فهيمنت على الفنّ وأصبح اللاهوت الظافر بعد مائتيّ عام مختلفاً تماماً عمّا نستشفّه من دراسة مخلّفات كنيسة دورا. احتّل الصليب المتلألىء بالذهب والأحجار الكريمة بعد قسطنطين الكبير مركز الصدارة في الكاتدرائيّات وحنايا الكنائس وسبّح الوعّاظ والخطباء بمجده وسؤدده وقدرته الإلهيّة ليصبح مركز العقيدة والتعليم الكنسي الديني بامتياز.
No comments:
Post a Comment