أبدأ اليوم سلسلةً من المنشورات القصيرة المصوّرة عن "كنيسة" دورا أوروپوس (سأعود إلى التسمية) المسيحيّة مع جزيل الشكر للصديق الأستاذ الياس بولاد الذي أعطاني الفكرة خلال مناقشة كنيس المدينة اليهودي ولوحاته في متحف دمشق الوطني.
تردّدت وكدت أن أحجم عن مباشرة هذا الموضوع للاعتبارات التالية:
- لوحات الكنيسة المسيحيّة أقلّ عدداً بكثير من لوحات الكنيس اليهودي وحالتها أسوأ ناهيك عن سذاجتها من النواحي الفنيّة والجماليّة إلى درجة أنّها أقرب إلى رسوم الأطفال منها إلى الأعمال الاحترافيّة.
- تفسير بعضها على الأقلّ إشكالي ولأكثر من سبب كما سنرى.
- غادرت لوحات الكنيسة سوريّا إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة منذ أجيال بينما لا زالت لوحات الكنيس تحتلّ مكاناً مرموقاً في متحف دمشق الوطني.
بالنتيجة حملتني الأهميّة الاستثنائيّة لهذه اللوحات بالنسبة للتاريخ السوري خصوصاً والمسيحي عموماً على تجاوز هذه التحفّظات: الكنيسة أوّلاً وأخيراً سوريّة وليس من المبالغة القول أنّ المسيحيّة -على الأقلّ في نشأتها الأولى وإلى أن تبنّتها الإمبراطوريّة الرومانيّة - ديانة سوريّة بامتياز. باختصار السوريّون أولى بتراثهم.
أقتصر في الأسطر التالية على تعريب فقرة من مقال للعالم الفرنسي Seston كمقدّمة. رابط المقال مرفق أدناه وهو يعكس معلومات قدّمت في مؤتمر للدراسات العليا في Gand في الرابع عشر من شباط - فبراير عام ١٩٣٦.
بنيت كنيسة مسيحيّة وكنيس يهوديّ ومعبد لميثرا في دورا أوروپوس في نفس الحيّ شديدة الاقتراب بعضها من البعض الآخر وفي هذه الأثناء جرى ترميم معابد هلنستيّة وتدمريّة في سائر أرجاء المدينة.
ليس هناك أدنى شكّ أنّ الكنيس اليهودي بلوحاته الكبيرة وتألّق وتنوّع فنونه هو أجمل هذه الأوابد بلا منازع. يبقى "بيت الله" مع ذلك الأكثر إثارةً لمشاعر البشر في حضارةٍ مسيحيّة دائمة التطوّر. صحيح أنّه بني بعد مائتيّ سنة من موت يسوع ولكنّه بالرغم من ذلك أقدم ما وصل إلينا. أضف إلى هذا أنّ تواضعه يجعله أقرب إلى القلب مقارنةً مع دور العبادة المهيبة التي تلته والكنائس الباذخة التي بنيت بعد عهد قسطنطين الأكبر. من المؤكّد أنّ الهدف من بناء هذا البيت المكرّس للعبادة المسيحيّة لم يكن تمجيداً لإمبراطور وتخليداً لذكره.
المخطّط الملحق عن Pearson.
William Seston. L'église et le baptistère de Doura-Europos.
Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016.
No comments:
Post a Comment