Tuesday, March 7, 2023

پومپي بادية الشام‎‎

 


پومپي بادية الشام أو الصحراء السوريّة هي التسمية التي أطلقها Rostovtzeff على دورا أوروپوس بعيد اكتشافها إذ رأى في كنوزها تحت الأنقاض الدارسة صنواً لآثار پومپي التي لا تقدّر بثمن. اعتبر بعضهم هذا التشبيه مبالغاً فيه بيد أنّ المقارنة مشروعة ليس فقط من وجهات النظر التاريخيّة والفنيّة والدينيّة وإنّما أيضاً في الظروف التي أسفرت عن تدمير المدينتين الفجائي (على يد الساسانييّن في دورا ونتيجةً لثوران بركان ڤيزوڤ في حالة المدينة الإيطاليّة) ولئن كان هذا التدمير كارثيّاً لأهل المدينتين فقد نزل برداً وسلاماً على قلوب علماء الآثار كأفضل طريقة ممكنة للمحافظة على الوضع كما كان مباشرةً في أعقاب الكارثة التي تمخّضت عن إخلاء الموقع من أهله وتركه مهجوراً منسيّاً وبالتالي عدم المساس ببقاياه وخصوصاً عدم إعادة استعمالها في أبنيةٍ لاحقة. 


تعني دورا في اللغات الساميّة القلعة أو الحصن أمّا أوروپوس فهي تسميتها من قبل السلوقييّن تكريماً لمسقط رأس سلوقس الأوّل بشهادة الجغرافي إيزيدور قبل ألفيّ عام الذي ذكر "مدينة Dura Nicanoris التي أسّسها المقدونيّون وأسماها اليونانيّون Europos".


المكان على مرتفع على ضفّة الفرات الغربيّة (قرابة مائة متر فوق مجرى النهر) وهو موقع مثالي من الناحية السوقيّة (الاستراتيجيّة) وهناك ما يشير أنّ الآشورييّن استعملوه كمركز عسكري متقدّم outpost اعتباراً من الألف الثاني قبل الميلاد أمّا عن تاريخ تأسيس المستعمرة الهلنستيّة فهو يعود إلى العام ٣٠٣ ق.م. 


استولى الپارثيّون على المدينة عام  ١١٠ ق.م. وتذبذب مصيرها بين الشرق والغرب إلى أن أخذها الرومان والإمبراطور Lucius Verus عام ١٦٥ للميلاد واحتفظوا بها معتمدين في ذلك على وحداتٍ عسكريّةٍ من تدمر. ازدهرت المدينة في العهد الروماني وتوسّعت (امتدّ سورها الغربي وهو الأطول على تسعمائة متر) ونظمت شوارعها وأحيطت بالأعمدة وازدادت أهميّتها بفضل التجارة مع تدمر. حافظت اللغة اليونانيّة على أولويّتها وإن أصبحت اللاتينيّة لغة الإدارة. أضف إلى ذلك اللغات العبريّة والآراميّة بأشكالها والعربيّة الشماليّة والإيرانيّة. 


يشهد تنوّع المباني الدينيّة على تعايش الطوائف وتسامحها: كنيس يهودي وكنيسة مسحيّة ومعبد ميثرا وهياكل آلهة تدمر وأرباب الرومان وهلمّجرّا.      


أكبر أبنية المدينة ما دعي قصر Dux Ripae (قائد ضفّة النهر) بعدد حجراته الذي تجاوز الأربعين وموقعه المهيمن على النهر من علٍ ممّا يسمح بمراقبة السفن الآتية وما ورائها. دورا منيعة من الشرق في حماية الفرات العظيم أو هكذا بدت الأمور في مطلع القرن الثالث للميلاد.


استيقظت المدينة من خدرها عندما أتى الساسانيّون بجيش ضخم (غطّى معسكره أرضاً تفوق مساحتها مساحة المدينة بأسرها) خيّم إزاء جدارها الغربي. تعرّضت إلى تفاصيل تعزيز سورها بسطح مائلً في مكان آخر ولن أكررّه وبالنتيجة اخترقت جدرانها ودمّرها الفرس عام ٢٥٦ م.







William SestonL'église et le baptistère de Doura-Europos.

Carl Hermann Kraeling. The Excavations at Dura-Europos. Final Report. Volume VIII, part 2. The Christian Building 1967. 

Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016. 

No comments:

Post a Comment