دورا أوروبوس مدينة هلنستيّة أسّسها سلوقس الأوّل حوالي عام ٣٠٠ قبل الميلاد على الضفّة الجنوبيّة الغربيّة لنهر الفرات قرب قرية الصالحيّة حاليّاً. الموقع على الأغلب أقدم من العهد السلوقي كما هو الحال في سائر بلاد الشام الغارقة في غياهب التاريخ والمدينة - استناداً إلى Dussaud - مذكورة في كتابات الجغرافي الإسكندراني بطليموس (القرن الثاني للميلاد) تحت اسم أدّارا Addara. ازدهرت دورا رغم موقعها الحدودي بين إمبراطوريّتين متنازعتين (أو لربّما بسبب هذا الموقع) وتعايشت فيها عدّة ديانات شملت - إلى جانب اليهوديّة والمسيحيّة - عقائد العالم القديم الساميّة واليونانيّة - الرومانيّة. حاصر الساسانيّون المدينة ثمّ دمّروها عام ٢٥٦-٢٥٧ للميلاد. طوى النسيان المدينة بعد هذه الكارثة إلى أن نقّب الموقع من قبل بعثة أمريكيّة -فرنسيّة في مطلع ثلاثينات القرن العشرين (اكتشف الكنيس صباح الثاني والعشرين من تشرين ثاني - نوفمبر - عام ١٩٣٢ تحديداً).
تستحقّ ملحمة نقل اللوحات من الموقع الأثري إلى متحف دمشق الوطني حديثاً مستقلّاً وهذا النقل من دواعي السرور والحمد إذ من شبه المؤكّد أنّها كانت ستذهب ضحيّةً لأشباه البشر من داعش الذين عاثوا فساداً في دورا بين ٢٠١١ - ٢٠١٤. يمكن أن نعتبر نقل هذه اللوحات إلى حرز العاصمة السوريّة "الإنقاذ الثاني" لها. السؤال هنا: متى تمّ "الإنقاذ الأوّل"؟! أترك الكلام للكونت du Mesnil du Buisson:
ندين ببقاء لوحات كنيس دورا أوروبوس إلى ظرف استثنائي عندما لاح خطر حصار طويل للمدينة من قبل ملك الفرس الطموح سابور (أو شابور) الأوّل ممّا دفع السلطات العسكريّة الرومانيّة إلى تعزيز تحصيناتها. كان سور دورا قبل الحصار مبنيّاً من الحجر النحيت ولم يكن كافياً للتصدّي لآلات حرب العدوّ المتطوّرة ناهيك عن الألغام التي يمكن زرعها في أنفاق تحفر تحت الجدار. أمر ولاة الأمور ببناء منحدر من التراب واللبن شكّل حاجزاً agger (الرسم الملحق) على جانبيّ السور لتعزيزه. خلق تطوّر المجانق ضرورات دفاعيّة جديدة تماثل ما حصل في الغرب.
تحتّم أن يكون المنحدر على جانب السور الخارجي منخفضاً وشديد الميلان كي يصعب على المهاجم تسلّقه أمّا المنحدر الملاصق للسور من الداخل فقد وصل إلى ذروة هذا الأخير وطمر الشارع المحاذي له بالكامل ومعه معظم حجرات واجهات الدور المبنيّة من الطوب التي أطلّت عليه والتي ما كان بوسعها تحمّل ضغط التراب الضروري لبناء المنحدر. اتّخذت هذه الإجراءات بشكل مؤقّت - أو هكذا كان المأمول - مع نيّة إزالتها بعد رفع الحصار ومن هذا المنطلق تصرّف العمّال بمنتهى الحرص لتجنّب أدنى تشويه للمباني التي سدّت بهذه الطريقة. كوّمت طبقة من التراب الجافّ الناعم على امتداد اللوحات الجداريّة وسدّت الأبواب باستعمال اللبن لدعم مقاومتها. أدّت هذه التدابير إلى إنقاذ حوض المعموديّة وقسم من الكنيسة في بيت المسيحييّن ورسوم الولائم الجداريّة وقسم من بيت الكتبة وردهة الكنيس الكبرى ومعبد الآلهة التدمريّة مع لوحاته وقسم من معبد الإله السامي أفلاد Aphlad وهلمّجرّا.
منعت الأحداث اللاحقة سكّان دورا من إعادة كشف أوابدهم واستلزمت استراتيجيّة الحرب أثناء حصار المدينة تدمير البيوت التي وفّرها الردم على طول المنحدر الداخلي. أخذ الفرس بالنتيجة المدينة ونهبوها ورحّلو أهلها.
Les Peintures de la Synagogue de Doura-Europos, 245-246 après J.-C., Roma, Pontificio Istituto Biblico. Piazza della Pilotta, 35. 1939.
Qui a sauvé les peintures de Doura Europos?
No comments:
Post a Comment