Sunday, October 2, 2022

حمّام المسك: الجوّاني

 


لا زلنا في العام ١٨٣٥ للميلاد بمعيّة Addison وصحبه خلال زيارتهم إلى حمّام المسك. 


جلسنا على مقعد رخامي في الردهة الأخيرة الحارّة إلى درجة الاختناق للوهلة الأولى. يزول هذا الشعور عندما يتعرّق الزائر يشدّة ويقطر الماء من كافّة مسام جلده. أتت القهوة وتمّ توزيعها وبعدها الغلايين. عادةً ما تطول فترة الراحة هذه ساعةً أو أكثر حسب المزاج لإعطاء وقت كافي للتعرّق. 


تحدّثنا وارتشفنا القهوة ثمّ أتى من اخترناهم من الصنعيّة وامتثلنا لدعوتهم بمباشرة عمليّة الفرك بعد أن نفذت القهوة وانتهينا من التدخين. سرنا الواحد تلو الآخر ورائهم إلى مكان في الحجرة المجاورة تحت صنبور يسيل منه الماء الساخن. 


وضع الأجير على يديه قفّازاً من صوف الماعز وبدأ في فرك أطرافنا وأجسادنا التي لا تزال نديّةً بعد التعرّق الآنف الذكر. يستمرّ التفريك إلى أن ينتزع الأجير كميّةً من الأقذار لا يمكن للمرء أن يتخيّل أنّها كانت على جسده وتدوم العمليّة من ربع إلى ثلث الساعة يستمرّ الأجير خلالها في غمس القفّاز بالماء الساخن وفرك الجلد حتّى أن يكشطه أو يكاد من شدّة الدعك. يستنشق الحمّامجي بعمق عندما ينفذ معين الأدران ويطلق صيحة "طيّب طيّب" دلالة على الرضى ثمّ يدفع الزبون فيلقيه على ظهره ليمدّده فوق البلاط الرخامي ويبدأ بقرصه وعصر كتفيه وذراعيه وجميع أطرافه وبعدها يباشر شدّ أصابع يديه ويطقطق مفاصله التي تصدر صوتاً عالياً قبل أن يكرّس نفسه للذراعين والساقين ويحرّك العظام في تجويف المفاصل إلى درجةٍ مقلقة. لن يفهمك الرجل إذا طلبت منه أن يتوقّف بل لربّما يفسّر كلامك أنّه لا يقوم بعمله على أكمل وجه وبالتالي يستأنف بهمّة متجدّدة لاعناً عناد أطرافك. الهلع يأخذ بتلابيبك ومع ذلك لن تستطيع الإمتناع عن الضحك عندما ترى رفيقك على الجانب الآخر من الغرفة يتلوّى ويحاول عبثاً مقاومة تفس المعالجة التي تتعرّض أنت لها. يمسك الصنعي الآن كتفيك ويشدّك منتصباً ثمّ يضع ركبته في ظهرك ويفتلك ويطقطقك إلى أن تصرخ أنت ويصفّق هو بيديه قائلاً "طيّب طيّب طيّب كتير" بما معناه أن العمل أنجز على أحسن ما يرام. أخيراً يجلسك المدلّك تحت حنفيّةٍ من الماء الساخن. 


يؤتى الآن بطست كبير في قعره صابونة وبليفة طويلة من الكتان يصبّ فوقها الماء الساخن وخلال ثوانٍ تصنع رغوة سميكة من الصابون تغطّى بها عيناك وأذناك وفمك. تستمرّ هذه الصوبنة لمدّة خمس دقائق تحاول خلالها حكّ عينيك التي تؤلمك بشدّة ثمّ يؤتى من حوض كبير من الرخام بجرادل من الماء الحارّ إلى درجةٍ تقارب الغليان. يصبّ الماء الساخن عليك تباعاً حتّى تختنق أو تكاد. تنهض بعد هذه العمليّة وقد أشرفت على الغرق كما لم يحصل لك في حياتك ليبادرك أحد صنعيّة الحمّام بمنشفة يلفّها على خصرك وثانية على رأسك وثالثة على كتفيك. ويقودك - أنت بالكاد تستطيع الوقوف خصوصاً إذا كان هذا أوّل حمّام تأخذه - خلال الردهات الحارّة إلى البرّاني البارد. عمليّة الانتقال هذه أشبه ما تكون برجل يخرج من غرفة دافئة عارياً في إحدى ليالي الشتاء عندما تكون الحرارة أخفض بعشر درجات من نقطة التجمّد. تتراوح الحرارة في الجوّاني بين ١٠٠-١٠٥ فهرنهايت (٣٨-٤١ درجة مئويّة) أمّا في البرّاني فكانت إبّان زيارتنا ٦٥-٧٠ (١٨-٢١ درجة مئويّة). الأثر مع ذلك غير ما يمكن توقّعه ويقال أنّ أحداً لا "يأخذ برداً"  أمّا نحن فلم تخامرنا إلّا ألطف المشاعر وأكثرها مسرّةً. المحطّة الأخيرة على أسرّة البرّاني مع فناجين القهوة والغليون أو الأركيلة نمضي خلالها حوالي الساعة في متعةٍ ما بعدها متعة.







حمّام المسك: المراجع 


حمّام المسك: الذكر الأوّل


حمّام المسك: البرّاني


حمّام المسك: الوسطاني








Bain al-Misk en 1940


Bath al-Misk: Earliest Reference 


Bath al-Misk: Second Sighting


Bath al-Misk in 1835: Apodyterium 


Bath al-Misk: Tepidarium 


Bath al-Misk: Caldarium 

No comments:

Post a Comment