Wednesday, October 19, 2022

آراء لامارتين في دمشق وفلسطين


الإنسان بطبيعته يحبّ الثناء والإطراء خاصّةً ممّن يعتبرهم - شعوريّاً أو لا شعوريّاً وبحقّ أو دون حقّ - أعلى مرتبةً منه. الأدلّة على ذلك كثيرة ومنه حبّ الشرقييّن لمديح الغرب خصوصاً لهم وترديد شهادات المستشرقين الإيجابيّة بهم مع إغفال سياقها وتناسي الشهادات السلبيّة لنفس المستشرقين. 


لا أدّعي المناعة ضدّ هذه النزعة لا بل وأقرّ أنّني أقرأ للمستشرقين وأقتبس عنهم محاولاً قدر الإمكان التمييز بين آرائهم الشخصيّة وإسهامهم الموضوعي. لا ريب أنّ البعض منهم (Porter على سبيل المثال وليس الحصر) تركوا لنا معلومات طبوغرافيّة وتاريخيّة لا تقدّر بثمن وبغضّ النظر عن النزعات الفوقيّة العنصريّة التي كانت سائدةً في العالم بأسره وقتها بدرجات متفاوتة. 


بالمقابل هناك أمثال الأديب الفرنسي Lamartine الذي يفخر الكثيرون بشهادته التالية في خان أسعد باشا نيسان عام ١٨٣٣ ويباركونها ويعتزّون بها:


"صادفت في منتصف سوق دمشق خان أسعد باشا وهو أجمل خانات الشرق. الخان كناية عن قبّة ضخمة تذكّرنا قبوتها المبتكرة بمثيلتها في كاتدرائيّة القدّيس بطرس في رومية. هذه القبّة محمولة على عضائد من الغرانيت خلفها مخازن وأدراج تؤدّي إلى الطوابق العلويّة حيث تتواجد مكاتب التجّار. يستأجر كل تاجر حجرةً يضع فيها بضائعه الثمينة وكتبه ويسهر حرس ليلاً نهاراً على أمن الخان. هناك اسطبلات كبيرة على طرف البناء مخصّصة لخيول المسافرين والقوافل ونوافير ينجبس منها الماء فيرطّب الجوّ. هذا الخان بمثابة سوق ماليّة (بورصة) لتجارة دمشق وبّوابته أحد أعظم نماذج الفنّ الإسلامي وأغناها تفاصيلاً في العالم أجمع إذا تتجلّى فيه الهندسة المعماريّة العربيّة بكامل عنفوانها مع أنّ الخان بني منذ فترةٍ لا تزيد عن أربعين عاماً. لم يمت الفنّ في شعب يستطيع مهندسوه تصميم آبدةٍ من هذه النوع وعمّاله تنفيذها". 



كلام جميل دون شكّ وإن كان خاطئاً من ناحيةٍ فنيّة ووصفيّة بحتة: علت خان البزوريّة أو خان أسعد باشا تسع قباب وليس قبّة واحدة. بالطبع انهار بعضها قبل زيارة Lamartine ولكن بالتأكيد بقي منها أكثر من قبّة يتيمة كما يفهم من حديثه. 


ماذا عن رأيه في هذا "الشعب الذي لم يمت الفنّ فيه"؟ 


حسبنا أن نقارن ما كتبه في موضع آخر عن زيارته لفلسطين في تشرين أوّل عام ١٨٣٢:     


"بإمكان هذا البلد اليوم أن يصبح من جديد أرض الميعاد إذا أعيد استيطانه من قبل أمّةٍ فتيّةٍ ويهوديّة وزرعته وسقته أيدٍ ذكيّة لتخصبه شمس مداريّة فينتج بسهولة جميع النباتات الضروريّة للإنسان أو التي يشتهيها ويلتذّ بها من قصب السكّر والموز إلى سنابل المناطق المعتدلة وحتّى أرز وصنوبر الألب. ما يحتاجه هذا البلد أن تقيّض له العناية الإلهيّة شعباً مع سياسة توفّر له الطمأنينة والحريّة".   



لربّما كان خيراً وأبقى أن نقرأ بإمعان ما يكتبه المستشرقون وألاّ "نخطف الكبّة من راس الماعون" ونصطفي ما يعجبنا من أقوالهم. 

No comments:

Post a Comment