Tuesday, October 18, 2022

فنون دورا أوروبوس بين الحريّة التقليديّة والكهنوت الشرقي

 


الأسطر التالية من مقدّمة كتاب "لوحات كنيس دورا أوروبوس" بقلم Gabriel Millet:


ها نحن أولاء أمام مدينةٍ حدوديّة متواضعة انبثقت من رمال الصحراء كما تجلّت بومبي وهرقلانيوم من حمم بركان فيزوف. لا يمكن بالتأكيد مقارنة دورا مع ثراء المكتشفات في المدينتين الإيطاليّتين ومع ذلك تتلاشى دهشتنا من شهرة دورا والهالة المحيطة بها إذا وضعناها في سياقها، وقارنّا بين متاحفنا الشديدة الغنى بالآثار القديمة من جهة وبين الصمت الذي أطبق على الحضارة اللامعة لبلاد ما بين النهرين في العهدين البارثي والساساني من جهة ثانية،   


لا يتعلّق الموضوع بحضارة بلاد ما بين النهرين فحسب، وإنّما بأصل الحضارة البيزنطيّة والفنّ البيزنطي، وحتّى - إلى درجة كبيرة - فنّ الغرب في القرون الوسطى الذي غلّفه الغموض إلى أن سلّطت تنقيبات دورا عليه النور من منظور جديد. من المتعارف عليه أنّ العصور الوسطى نتاج انتصار غزو الشرق الآسيوي ونستطيع دون عناءٍ أن نميّز في الفنّ البيزنطي مزيجاً فريداً من حريّة الأقدمين والأثر الكهنوتي الشرقي. تنافس هذان النموذجان عبر العصور وتفّوق أحدهما على الآخر حيناً، ليتقهقر أمامه حيناً آخر، حسب الجوّ المحيط ومزاج الإنسان. تواجد هذا المزيج، الذي تميّز بتشويه النماذج القديمة نتيجةً للاحتكاك مع الشرق، في أرجاء آسيا حيثما تغلغل التأثير اليوناني وهو ماثل أمامنا في دورا منتصف القرن الثالث الميلادي، كما سيظهر لاحقاً في بيزنطة.


تباين هذين النموذجين صارخ إلى أقصى درجة: نعاين في النموذج الهلنستي الخلفيّةً البديعة والرمزيّة والمنظور وتنوّع الهيئات وحريّة الفنّان والطبيعة التي تنطق بالحياة؛ بالمقابل الخلفيّة في دورا (التي تتبع النموذج الكهنوتي) عارية أو تكاد والأشخاص بعضهم وراء البعض الآخر متماثلون والتصوير جباهي مع عناية خاصّة بالتناظر. 


يهيمن الفنّ الكهنوتي في دورا أكثر ممّا سيفعل في بيزنطة ومع ذلك لا ينبغي اعتباره كينونةً جامدة لا أثر للفنّ اليوناني فيها ومن الأهميّة بمكان تمييز العناصر المختلفة وتحرّي منشأها ومغزاها. 


تبدو المهمّة التي أخذها السيّد du Mesnil du Buisson على عاتقه للوهلة الأولى أكثر بساطةً إذ هي تتلخّص بشرح المواضيع وممّا لا شكّ فيه أنّه أنجز هذه المهمّة على أكمل وجه وحتّى أدقّ التفاصيل. لم تكن هذه العمليّة دائماً على هذه الدرجة من السهولة: نصوص الكتاب المقدّس غير كافية ومنه وجوب الرجوع إلى حواشي الحاخامات وتعليقاتهم والأساطير اليهوديّة وذكراها وتفسيرها التي حفظها لنا القرآن والمؤرّخون العرب. تعيّن أيضاّ - نظراً للأثر اليوناني الواضح في هذه الرسوم - استنطاق الأوابد الوثنيّة كما في معبد أدونيس في دورا ومعبد الشمس في بعلبك التي قدّمت لنا معطيات ثمينة في هذا المجال.








كونت دو منيل دو بويسّون


صدفة أنقذت كنيس دورا أوروبوس




Les Peintures de la Synagogue de Doura-Europos, 245-246 après J.-C., Roma, Pontificio Istituto Biblico. Piazza della Pilotta, 35.  1939.


Comte du Mesnil du Buisson


Qui a sauvé les peintures de Doura Europos?


Doura-Europos entre la liberté antique et l'hiératisme oriental

No comments:

Post a Comment