تعتري الطفل نشوة عندما تمدحه أمّه ويطريه أبوه بالكلمات العذاب وتخامر التلميذة والتلمبذ مسرّة لدى سماع تنويه آنسة المدرسة وأستاذها. لا يختلف الأمر كثيراً في الشرق الذي يضع تقييم الغرب له في مكان الصدارة ويؤثره على كلّ استحسان إلى درجة تصيّد كلمة "مرحى" أنّى قيلت طالما كان القائل مستشرقاً يشار إليه بالبنان. تعرّضت الأمس لظاهرة اصطفاء ما يعجبنا واتّخذت الفرنسي Lamartine مثالاً. اليوم دور الأمريكي Mark Twain. أبدأ بتقريظه دمشق والاقتباس الآتي مشهور ومعروف على وسائل التواصل الاجتماعي وإن كان ناقصاً على مبدأ "يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة" مع حذف بقيّة الآية "وأنتم سكارى".
"دمشق أقدم مدن العالم وكانت موجودةً قبل إبراهيم. أسّسها عوص حفيد نوح. تاريخ دمشق المبكّر مستتر في ضباب غارق في القدم. إذا استثنينا الأمور التي روتها الأسفار الإحدى عشر الأولى من كتاب العهد القديم فليس هناك حدث مسجّل في العالم إلّا تلقّت دمشق أخباره. عد في الماضي السحيق كما شئت، تجد دمشق دائماً فيه. اسم دمشق مذكور في كلّ قرن على مدى يتجاوز أربعة آلاف من الأعوام تغنّى فيها الناس بمدائحها. السنوات لحظات بالنسبة لدمشق والعقود هنيهات عابرة. لا تقيس دمشق الوقت بالأيّام والشهور والسنين بل بالإمبراطوريّات التي شهدت صعودها وازدهارها قبل أن تستحيل هباءً منثورا. دمشق نموذج للخلود شهد نشأة بعلبك وطيبة وإفسوس وتحوّلها من قرىً إلى مدن ذات بأس وقوّة أذهلت عظمتها العالم قيل أن تصبح خراباً يباباً هجرها الناس للبوم والخفافيش. عاشت دمشق لترنو إلى مجد الإمبراطوريّة الإسرائيليّة قبل فناء هذه الأخيرة. عاصرت دمشق صعود اليونان وازدهارها عبر ألفيّ سنة وشهدت - في كهولتها - بناء رومية التي عاش العالم في ظلّ قوّتها قبل أن تذوى وتضمحلّ. دام عزّ وبهاء البندقيّة وجنوا مئات من السنين كانت بالنسبة لدمشق أشبه بالوميض الذي بالكاد يستحقّ أن تتذكّره. شهدت دمشق كافّة أحداث الأرض ولا زالت حيّةً. نظرت دمشق إلى العظام الجافّة لألف إمبراطوريّة وستشهد قبور ألف إمبراطوريّة قبل أن تموت. تدّعي إحداهنّ (الإشارة إلى رومية) لقب المدينة الأبديّة بيد أنّ دمشق أحقّ منها وأولى بهذه التسمية".
رائع جدّاً ولكن قبل أن نلتهب حماساً لنقرأ تتمّة ما كتبه الأديب الأمريكي لا فضّ فوه.
"دمشق مستحاثّة. أنّى ذهبت سينقضّ عليك جيش صاخب من الحمّارين والأدلّة والباعة المتجوّلين والشحّاذين إلّا في دمشق التي يكره أهلها مجرّد هيئة الأجانب المسيحييّن إلى درجة تجنّب أي تعامل معهم مهما كان محدوداً. المسيحي لا يأمن على نفسه دائماً في شوارع دمشق حتّى العام أو العامين الأخيرين. دمشق هي أكثر مطهر محمّدي تعصّباً خارج الجزيرة العربيّة وإذا رأيت عمامةً خضراء (إشارة تشريفيّة مفادها أنّ معتمرها أدّى الحجّ إلى مكّة) في مكان ما فسترى دزّينةً منها في دمشق. الدمشقيّون ألعن وأخبث الأشرار الذين صادفناهم في حياتنا".
فلنتابع مع "عاشق دمشق".
"كبريائي يتألّم عندما أرى هؤلاء الكفّار (أي المسلمين) يرفضون الأكل من الطعام الذي أعدّ لنا أو استعمال نفس الطبق الذي تناولنا منه أو الشراب من الوعاء الجلدي الذي دنّسته شفاهنا المسيحيّة اللهمّ إلّا إذا صفّي الماء خلال قطعة قماش على فم الإناء أو عبر اسفنجة! لم أنفر من صيني في حياتي كما أمقت هؤلاء العرب والأتراك المنحطّين".
"
No comments:
Post a Comment