Friday, October 14, 2022

مستقبل حمّامات دمشق

 


درس الكثير من حمّامات الشام عبر التاريخ بدلالة ما ذكرته المصادر - بداية من ابن عساكر - ممّا لا أثر له اليوم. مع ذلك يمكن القول أنّ الحمّام لم يكن مهدّداً كمؤسّسة حتّى نهاية العهد العثماني وإذا هدم حمّام حلّ محلّه آخر (بني آخر الحمّامات  التقليديّة في المزّة عام ١٩٣٣). 


اختلف الوضع جذريّاً بداية من عهد الانتداب الفرنسي. أترك الكلام عن الأسباب والحلول المقترحة للفرنسييّن Écochard & Le Cœur اللذين كتبا عام ١٩٤٢ ما يلي:


تبدّى من التحريّات التي أجريناها في دمشق أنّ عشرين من حمّاماتها هجرت أو تحوّلت لاستعمالات لا علاقة لها بوظيفتها الأصليّة منذ أقلّ من ثلاثين عاماً. لا تزال الحمّامات موجودةً في بعض الأحياء بيد أنّها أقلّ نشاطاً ويقتصر طاقمها على الحمّامجي وامرأته وأولاده. 


يبقى حمّام السوق، على الرغم من انتشار الحمّامات الخاصّة على الطراز الأوروبّي في بيوت سكّان المدينة، شديد الأهميّة لصحّة عامّة الناس والوسيلة الوحيدة المتاحة لهم للاغتسال. مع ذلك ستندثر كافّة حمّامات دمشق خلال أقلّ من عشرين عاماً ما لم تجر إصلاحات تعالج وضعها والتحدّيات التي تواجهها بأسرع ما يمكن.  


يتعيّن قبل كل شيء - إذا أردنا المحافظة على الحمّامات - أن نغيّر طريقة تزويدها بالماء تغييراً جذريّاً. ليس بمقدور المستثمر أن يتحمّل هذا العبء (١) وبالتالي فلا بدّ أن تأخذه البلديّة أو الدولة على عاتقها.  


هناك حلّان ممكنان لهذه المعضلة:


- يتمثّل الحلّ الأوّل بأن تترك السلطات - من منطلق صحّي بحت - الحمّامات القديمة إلى مصيرها المحتوم وتعوّض عمّا يهدم منها ببناء حمّامات عامّة جديدة على وتيرة أسرع قليلاً من وتيرة اختفائها.  


- الحلّ الثاني  أن تتولّى الحكومة صيانة الحمّامات التراثيّة وإدخال التعديلات التي لا بدّ منها إلى هذه الحمّامات كي تتواءم مع المتطلّبات العصريّة. 


الحلّ الثاني في رأينا  هو الأفضل. يجب أن تعطى الأولويّة إلى التطويرات الضروريّة لتزويد الحمّام بمياه النبع التي لا غنى عنها للصحّة الاجتماعيّة. هناك أيضاً إمكانيّة تعديل المخطّط بما يسمح بإضافة مسابح صغيرة إلى جانب حمّام البخار في بعض الحالات. 


يمكن البدء بهذه الأعمال على سبيل التجربة في حمّامات يتمّ اختيارها في بعض الأحياء الشعبيّة المكتظّة خصوصاً ما امتلك منها قيمةً أثريّةً معيّنة ومعظم هذه الحمّامات تتبع مخطّطاً محكماً. يا حبّذا أن تصبح هذه الحمّامات ملكاً للبلديّة وأن تتولّى الدولة أعمال صيانتها الضروريّة للحفاظ على قيمتها التراثيّة وأن تزوّدها بمياه الفيجة وتكلّف عائلة من الحمّامجيّة بإدارتها بعد تحديد شروط وتعرفة الاستثمار.


من البدهي أنّ أي تعديل على المخطّط الأصلي وأي إضافة لمسبح أو غيره ينبغي له أن يدرس من قبل مصلحة الآثار بالتشاور مع البلديّة قبل تنفيذه بهدف الحفاظ على الآبدة وبهذه الطريقة تحتفظ الأبنية المرمّمة والمصونة بكامل وظيفتها النفعيّة دون المساس بهيكلها وبنيتها التي تمتلك قيمةً أثريّةً تبرّر بحدّ ذاتها إبقائها والسهر على سلامتها.    


نكرّر ما قلناه سابقاّ أنّ الحمّامات شكّلت جزءاً لا يتجزّأ من حياة أهل دمشق حتّى مطلع القرن العشرين وأنّها تتوافق مع طبائعهم وعاداتهم. المحافظة عليها إذاً من الأهميّة بمكان كأماكن حيّة وليس فقط كأوابد خاوية. 







(١) يمكن إسقاط هذه المحاكمة بشكلٍ أو بآخر على البيوت الشاميّة التراثيّة.






Michel Écochard & Claude Le Coeur. Les Bains de Damas : Monographies architecturales. Imprimerie catholique 1942-1943.


Avenir des bains damascains: problèmes et solutions


No comments:

Post a Comment