كتب de Favières عام ١٩٦١ (أي بعد قرابة عشرين عاماً من دراسة Écochard & L Cœur) ما يلي:
سبق وتنبّأ السيّد Écochard أنّ وجود الحمّامات واستمرارها في نشاطها المتوارث عن السلف مهدّد من قبل المساكن الحديثة المبنيّة استجابةً لعادات ومتطلّبات صحيّة اختلفت عمّا كانت عليه في الماضي. يتعيّن على حمّام السوق إذا أراد الاستمرار أن يستوفي أحد الشروط الآتية على الأقلّ:
- الحفاظ ولو بشكل مؤقّت على إطار حياة بفرض عادات قديمة معيّنة تجد تبريرها ضمن هذا الإطار. هنا نفكّر بالدرجة الأولى بالبيوت القديمة التي لا تملك ما يكفي من تجهيزات الاستحمام وأيضاً بالكثافة السكنيّة الشديدة ومعرفة الجيران الوثيقة بعضهم بالبعض الآخر والنظم الجماعي للصلاة والعمل. هذا هو وضع أقدم الأحياء بطبيعة الحال وبالذات المتواجدة داخل سور المدينة (العمارة والقيمريّة وباب توما والشاغور) علاوةً على الأحياء التي تختلط مكوّناتها الأثريّة بالنسيج العمراني بشكل يجعل مهمّة تحديثها في منتهى الصعوبة اللهمّ إلّا إذا أعيد بناؤها بالكامل (سوق ساروجا). من البدهي أنّ معظم الحمّامات الأكثر قدماً والتي لا تزال ناشطةً منذ أن بنيت موجودة في هذه الأحياء كما في حمّام الملك الظاهر العتيق. من اللافت للنظر أنّ كافّة الحمّامات التي شيّدت قبل القرن الرابع عشر للميلاد والتي كانت أبوابها مفتوحةً للزبائن عام ١٩٣٦ لا تزال ناشطةً إلى اليوم مع استثناء فريد يتمثّل في حمّام البزوريّة.
- الركود النسبي في أحياء بعيدة عن مركز المدينة الاقتصادي والغير مجاورة لأيّ من طرق المواصلات الكبيرة. نرى هذا في الأحياء التي أصبحت مأهولةً في القرن الخامس عشر وفي العهد العثماني (جنوب القنوات والسويقة) ومن هنا بقاء حمّام التيروزي خصوصاً. بالمقابل اندثرت حمّامات القرن الخامس عشر في أحياء كان وضعها مشابهاً للأحياء أعلاه في الماضي ولكنّه تغيّر نتيجة لانتقال مركز المدينة نحو الشمال ومنه هدم حمّام الحاجب. أضف إلى ذلك ازدحام السير على شرايين دمشق الذي أدّى إلى إغلاق حمّام الجسر وأجهز على حمّام الملكة وحمّام السنانيّة.
- أخيراً هناك التعامل الكثيف والمتواصل مع سكّان أكثر حفاظاً على عاداتهم وتقاليدهم كما هو الحال في حيّ الميدان بفضل دوره المزدوج كطريق هامّ ومكان تواجد بوايك الحبوب ممّا يفسّر انتماء حمّاماته إلى فترات زمنيّة شديدة الاختلاف. لا تدين هذه الحمّامات في بقائها للعوامل السابقة الشيء الكثير.
لا تزال كثير من الحمّامات موجودة في دمشق اليوم وتتركزّ الصيانة على أقدمها باستثناء ما تحوّل منها لأغراض مختلفة. هذا إذا ركّزنا على الأبنية نفسها أمّا عن استعمالها كحمّامات فيتخلّى عنه أهل المدينة شيئاً فشيئاً اللهمّ إلّا في الأوساط الشعبيّة. يتبيّن من الدراسة أنّ الحمّامات في طريقها إلى الزوال من الناحية الوظيفيّة وأنّ النجاح في إيقاف هذه النزعة أو عكسها بعيد الاحتمال. بالتالي ما يحمي الحمّامات الآن - المتميّزة بانسجامها الوظيفي المثالي وتنوّعها الدقيق - هو قيمتها التاريخيّة والفنيّة حصراً.
تلطّف الصديق العزيز الأستاذ أسامة مهدي الحفّار فشاركني بالصورة الملحقة لحمّام فتحي.
Michel Écochard & Claude Le Coeur. Les Bains de Damas : Monographies architecturales. Imprimerie catholique 1942-1943.
No comments:
Post a Comment