دورا أوروپوس مدينة حدوديّة تعايشت مختلف الأديان فيها جنباً إلى جنب كما رأينا ممّا يسهّل دراسةً مقارنةً لدور عبادتها كما فعل Kraeling (ص ١٤٠-١٤٣ من "التقرير النهائي") الذي اقتبست عنه مع الاختصار الأسطر التالية.
سبق القول أنّ الكنيسة المسيحيّة المنزليّة في دورا هي الأقدم في العالم حسب ما نعرفه إلى اليوم. لا ينفي هذا بالطبع تجمّع المؤمنين في أماكن مرتجلة ومؤقّتة لإقامة شعائرهم هنا وهناك قبل الكنيسة بكثير ولكن ما يميّزها كونها أوّل بناءٍ ثبت بالبرهان القاطع أنّه خصّص لهذا الغرض حصراً إلى أن يسفر التنقيب على ما يخالف ذلك.
الأدلّة:
- تاريخ الكنيسة موثّق بدقّة لا يوجد ما يضاهيها في أيّ موقع آخر على هذه الدرجة من القدم والبرهان كتابة عاصرت بناء البيت الذي تحوّل لاحقاً إلى كنيسة وحدّدت ما يكافىء العام ٢٣٢-٢٣٣ للميلاد بالتقويم السلوقي ومن المعروف أنّ المدينة بما فيها دمّرت عام ٢٥٦.
- حالة بقايا كنيسة دورا - رغم الدمار الذي أصابها - هي الأفضل من كافّة ما وصلنا من المباني المسيحيّة في ذلك العهد.
- كنيسة دورا فريدة في اللوحات الجداريّة لبيت معموديّتها والتي لا مثيل لها في القرن الثالث الميلادي. هذه اللوحات بمثابة قصص مصوّرة من الكتاب المقدّس كما سنرى.
يترتّب على ما سبق أنّ ردهة المعموديّة (الغرفة السادسة) أهمّ مكوّنات الكنيسة وأجملها وأغناها بالزخارف وليس ردهة الاجتماع (الغرفة الرابعة).
الوضع مختلف في الكنيس اليهودي الذي تركّزت جهود الفنّانين فيه على جدران ردهة الاجتماع ومحراب التوراة كما رأينا بالتفصيل. وظيفة غرفة الاجتماع (وهذا ينطبق على المسيحيّة منها واليهوديّة) دينيّة وروحيّة وليست شعائريّة (لا يوجد فيها الأدوات الضروريّة) ولا اجتماعيّة (يمكن استعمال الباحة لهذا الغرض الأخير).
النموذج الثالث هو المعابد الوثنيّة التي يشكّل ما يمكن تسميته "قدس الأقداس" (cella أو naos) أهمّ مكوّناتها كمثوى تمثال أو صورة الإله. ليس "القدس" مفتوحاً للجميع ولا هو مكان للتجمّع وتضحية القرابين. ليس ذلك بحسب، بل هناك في بعض المعابد خلوة صغيرة خاصّة adyton في نهايته دخولها محظور على كائنٍ من كان باستثناء الكهنة والأحبار.
هذه باختصار شديد أهمّ الفروقات من النواحي البنيويّة والوظيفيّة في معابد هذا العهد الغابر ومن البدهي وجود الكثير من العناصر المشتركة بينها والعديد من الاختلافات الإضافيّة في التفاصيل.
الصورة الملحقة لنحت بارز من قدس naos معبد غاد Gad في دورا أوروپوس وهي عن Rostovtzeff في ثلاثينات القرن العشرين أمّا النحت فيعود إلى العام ١٥٩ للميلاد (٤٧٠ من التقويم السلوقي). يحتلّ الإله مركز النحت ونرى على اليمين سلوقس الأوّل مؤسّس المدينة وعلى اليسار الكاهن حيران بار ملكو بار نصور الذي أشرف على العمل ونذره كما تشير النقوش الكتابيّة بالأبجديّة التدمريّة.
No comments:
Post a Comment