اعتقد ندرة مطران (عن قناعةٍ في رأيي) أنّ مصير سوريّا ومصلحتها مرتبطان بالوصاية الفرنسيّة وباستقراء كتابه نستنتج أنّه افترض مسبقاً أنّ أغلب السورييّن يتّفقون معه ويهيمون في غرام فرنسا بيد أنّ هذا لا يكفي. قد يوافق جحا وأهله على مصاهرة السلطان ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ ابنة السلطان ترغب في الزواج من جحا وأنّ السلطان مستعدّ لمباركة هذه الزيجة. العقبة الكأداء - بالنسبة لمطران - إذاً تتلخّص في إقناع فرنسا أنّ مصلحتها تقتضي احتلال سوريّا (أو "تحريرها" إذا شئنا) وهذا ما حاول فعله في الصفحات ٢٧ - ٦١ التي اختزلتها بالنقاط الآتية:
- تستطيع فرنسا أن تتدارك مشكلة تناقص سكّانها عن طريق تجنيد السورييّن في خدمة قضاياها تماماً كما فعلت إنجلترا التي جنّدت رجال مستعمراتها واستطاعت بذلك حكم مئات الملايين من الناس بما لا يتجاوز مائة ألف من الإدارييّن والعسكر الإنجليز. استشهد مطران أيضاً بالسنغالييّن والجزائرييّن والتونسييّن من المقاتلين تحت رايات فرنسا فيما دُعي لاحقاً بالحرب العالميّة الأولى. لِمَ لا نضيف السورييّن الفرنسيّي الولاء أصلاً؟ يكفي خمسة إلى ستّة آلاف من المدرّبين والمستشارين والضبّاط الفرنسييّن لتشكيل وحدات سوريّة تحارب في سبيل فرنسا وسوريّا في آنٍ واحد (صفحة ٢٥ - ٢٦).
- جميع الأديان والطوائف السوريّة بشكل أو بآخر موالية لفرنسا بما فيها اليهود. لبنان "مسيحي وفرنسي" (ص٣٠) أمّا المسلمين فهم "عرب قبل كل شيء" (أي أنّ ولائهم ليس بالضرورة للدولة العثمانيّة وإن كانت مسلمة). سوريّا بلد صغير لا يتجاوز عدد سكانه الثلاثة إلى أربعة ملايين (مزيد عن الديموغرافيا لاحقاً) وبحاجة لقوّة عظمى تحميه. يستشهد مطران هنا برخاء مصر وهناء الفلّاح المصري تحت الحماية البريطانيّة (ص ٣٥ - ٣٦).
- سوريّا بلد ذو موارد بشريّة وجغرافيّة (مساحة ٢٧٤٠٠٠ كيلومتر مربّع) يمكن أن نضيف إليها ٦٥٨٣٠ مع أضنة وأورفة وهنا يتجاوز عدد السكّان الأربعة ملايين (٣٧ - ٣٨). لن تكبّد سوريّا دافع الضرائب الفرنسي بنساً واحداً (ص ٤٢).
- من الضروري أن تحصل فرنسا على موطىء قدم في شرق المتوسّط إذا أرادت حماية إمبراطوريّتها الإفريقيّة (ص ٤٥) وأن تأخذ دمشق (ص ٤٨) لأنّها لا تملك القاهرة ولا القسطنطينيّة.
- بإمكان سوريّا أن تزوّد فرنسا بالمواد الأوّليّة واليد العاملة الرخيصة (ص ٥٣) ولبنان خصوصاً سيستقطب السيّاح المصرييّن ويحوّلهم عن سويسرا.
إلى آخره، إلى آخره.
لا ريب أنّ لعاب فرنسا سال أمام المغريات والمقبّلات والأفاويه التي استعرضها مطران أو هكذا اعتقد البعض.
للحديث بقيّة.
الخريطة الملحقة للإمبراطوريّة الفرنسيّة في الفترة بين الحربين العالميّتين.
Nadra Muṭrān. La Syrie de demain
No comments:
Post a Comment