روى ندرة مطران كما رأينا سيرةَ نضالِهِ عبثاً في سبيل العروبة والجحود الذي قوبل به ممّا دفعه إلى التماس بديل تبلور - في فكره - إلى سوريّا الجغرافيّة المستقلّة تحت الوصاية الفرنسيّة. سلّم مطران أنّ هذا الحلّ ليس مثاليّاً وبرّره بأنّ أي بديل للاستبداد التركي مطلوب ومرغوب من جهة نظراً إلى استحالة وجود ما هم أسوأ من الحكم العثماني، وأنّ سوريّا بلدٌ ضعيف لا غنى له عن الحماية الأجنبيّة من جهةٍ ثانية.
فيما يلي تعريب الخلاصة التي توصل إليها المؤلّف (صفحة ٢١٢ - ٢١٣) في هذا الصدد ومن الواضح أنّه يخاطب هنا السورييّن محاولاً إقناعهم بمنافع الحماية الفرنسيّة تماماً كما سبق وخاطب الفرنسييّن لإغرائهم بالمكاسب المتوقّعة من احتلال سوريّا:
"على السورييّن أن يقدّروا النعمةَ التي لا تقدّر بثمن أنّ فرنسا بإمكانيّاتها الماليّة والصناعيّة الضخمة ستمدّهم بالعون الذي يحتاجون إليه؛ فرنسا التي يعرف معظمهم لغتها (١) وجميعهم صداقتها؛ حكومة فرنسا الليبراليّة الحريصة على المساواة والعدالة. يحتاج وطننا إلى قوّاتٍ بريّةٍ وبحريّة قويّة تحمي حدوده وتضمن سلامتها (٢) وبإمكان فرنسا أن تزوّدنا بقسمٍ كبيرٍ منها وتوفّر علينا أعباءً لا طاقة لنا بها. من ناحيةٍ ثانية يحتاج ازدهار بلدنا الصناعي والتجاري إلى مفاوضاتٍ على المستوى العالمي ومن أفضل من فرنسا للدفاع عن مصالحنا؟!
إخوتي المسيحييّن! لا تطلبوا من فرنسا أن تقلّد زعامة البلاد إلى أمير مسيحي. لن تسمح عدالة فرنسا بالإساءة إلى مشاعر إخوتكم المسلمين الذين يشكّلون الأكثريّة. فرنسا جمهوريّةٌ ومن غير المنطقي أن تسعى إلى تنصيب ملوك وأمراء.
إخوتي المسلمين! لا تصرّوا على أمير من دينكم. لا مناص أن يؤدّي ترشيحٌ من هذا النوع إلى المزاحمة والخصام والدسائس التي لعبت دورها في تدمير بلادنا عبر العصور. من المؤكّد أنّ المسيحييّن ولبنان لن يقبلوا أمراً كهذا عن طيبةِ خاطر وأنّ فرنسا ستعتبره مجلبةً للمتاعب من كل نوع.
الحلّ الأمثل بالنسبة للجميع وبلا منازع أن يترأّس مقيمٌ فرنسيٌّ (٣) القيّمين على أمورنا يوفّق على أكمل وجه بين تطوّرنا على طريق الخير والبحبوحة من جهة وسياسات وطنه من جهةٍ ثانية. لن يتأثّر هذا المقيم الغريب عن بلادنا، التي لا يوجد ما يربطه بأهلها، بمشاحناتنا ومنافساتنا
(١) القول أنّ معظم السورييّن قبل مائة عام كانوا ملمّين باللغة الفرنسيّة منافي للعقل.
(٢) لم يكن مطران الوحيد الذي اعتقد أنّ الحفاظ على سلامة الحدود السوريّة يشكّل أحد أولويّات فرنسا ولم يقدّر له أن يحيا ليرى ثمار اتّفاقيّة أنقرة في العشرينات وسلخ لواء اسكندرون في الثلاثينات.
(٣) بعبارة ثانية يدعو مطران إلى "مندوب سامي".
Nadra Muṭrān. La Syrie de demain
No comments:
Post a Comment