يبقى عهد مجلّة سمير الذهبي بالنسبة لي عقد الستينات الذي تعرّفت به من خلالها على كثير من الأبطال المحليّين والأجانب المعرّبين. كانت ملحمة عنترة ولا تزال موضوعاً مفضّلاً لهواة الشعر والأدب والفروسيّة وقصّته ومآثره في غنى عن التعريف ويكفيه فخراً قصيدته الميميّة الشهيرة المعلّقة (هل غادر الشعراء من متردّم..).
قدّم سمير لنا أسطورة عنترة للمرّة الأولى في عدده رقم ٥٠١ الصادر في الرابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر عام ١٩٦٥ بريشة الفنّان لطفي وصفي واحتلّ بطلنا الأسمر بكامل رجولته وعنفوانه غلاف هذا العدد على صهوة جواده الأبيض .
لسبب ما قرّرت الإدارة أو الفنّان (لا يزال الكلام عن لطفي وصفي) أو كلاهما إعادة كتابة القصّة منذ البداية بعد أقلّ من عام على ظهور المسلسل المصوّر الأصلي (التاسع من تشرين أوّل أكتوبر ١٩٦٦: الغلاف الثاني الملحق) مع بعض الاختلاف إذ بدأت الرواية الآن منذ طفولة عنترة وتحوّلت هيئته وزيّه بعد بلوغه سنّ الرشد إلى درجة كبيرة وزالت لحيته وشاربه وحلّت العمامة محلّ "الحطاطة والعقال". لا ثياب عنترة "الأوّل" ولا "الثاني" متوائمة مع البيئة التي يفترض أنّه ولد وترعرع فيها: لا أرى كيف يستطيع الفارس في البادية أن يتحمّل الأكمام الطويلة والمعطف تحت الشمس في وضح النهار ولا أعتقد أنّ الجزمة كانت متوافرة وقتها.
في كلّ الأحوال نجحت القصّة نجاحاً باهراً وتكلّلت بزواج عنترة من ابنة عمّه عبلة الذي طلب أبوها مالك بن قراد ألفاً من النوق العصافير مهراً لها اعتقاداً منه - على مبدأ "إذا ما بدّك تجوّز بنتك غلّي نقدها" - أنّه لا عنترة ولا غير عنترة قادر على تلبية شرط تعجيزيّ من هذا النوع في وقت شكّلت الإبل فيه ثروة القبائل وكفت فيه "ألف من النوق" لشراء مملكة أو كادت.
ألهمت القصّة الحكواتيّة على مدى قرون وعدداً من المسلسلات التلفزيونيّة أذكر منها واحداً ظهر عام ١٩٧٨ لعب فيه دور عنترة الفنّان أحمد مرعي وأخيه شيبوب عبد الله غيث وأخيه الثاني جرير يوسف شعبان. أدّى العملاق عماد حمدي دور زعيم قبيلة عبس الملك زهير الذي أغار مع قبيلته تحت جنح الظلام لينهب ممتلكات بني الريّان وملكتهم سهير البابلي (الرباب) كما قضت أعراف الغزو وقتها.
No comments:
Post a Comment