عنوان المقال الأصلي بقلم هزار عمران "قلعة دمشق في نهاية القرن الخامس/الحادي عشر" أمّا المصدر فهو المجلّد الرابع والأربعون من الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة الصادر عام ٢٠٠١.
إجراء تنقيب منهجيّ داخل سور دمشق من الصعوبة بمكان نظراً لتشابك النسيج العمراني وبناء الأوابد الحديثة نسبيّاً فوق الأقدم فالأقدم ويعتقد أنّ المدينة الأصليّة تقع على عمق بضعة أمتار تحت مستوى الأرض الحالي. هناك مع ذلك استثناءات لهذه القاعدة أهمّها صحن الجامع الأموي وفناء القلعة أضف إليها الكوارث بين حين وآخر كحريق سوق الصاغة قبل ستّين عاماً ممّا أتاح الفرصة للحفريّات التي تلته وعمليّة ترميم بيت العقّاد التي كشفت بقايا المسرح الروماني خلالها.
لدينا عدد من الدراسات الجيّدة عن قلعة دمشق ولكنّها أجريت حتّى ثمانينات القرن العشرين عندما كانت سجناً وقبل إزالة الأبنية الطفيليّة المستحدثة وأعاق هذا مهمّة البحّاثة إلى درجة كبيرة.
فسّر الألمانيّان Wulzinger و Watzinger وجود بقايا كلاسيكيّة في القلعة بكونها أقيمت على الموقع الذي احتلّه في الماضي الحصن الروماني castrum الذي بناه الإمبراطور Diocletian (٢٨٤-٣٠٥ للميلاد). قبل Jean Sauvaget هذا الرأي في البداية ليصبح أوّل من تحدّاه لاحقاً بحجّة أنّ مواد البناء التي أشار إليها الألمانيّان لم تستعمل في مكانها بل جلبت من موقع آخر (على الأغلب أطلال معبد المشتري الخارجي الذي اتّخذ مقلعاً للحجارة) بدلالة جذوع الأعمدة المستعملة أفقيّاً والكسر الخزفيّة المكتشفة.
النصوص التاريخيّة صامتة عن وجود أي قلعة أو بنية دفاعيّة شمال غرب المدينة منذ الفتح الإسلامي وحتّى العهد السلجوقي ويقتصر ما تعرّض منها لحصار عام ٦٣٥ بذكر الأبواب والأسوار. كانت دمشق في العهد الأموي عاصمة امبراطوريّة مترامية الأطراف تدور المعارك فيها على بعد مئات وآلاف الكيلومترات من المركز وبالتالي لم تكن الحاجة لقلعة ملموسةً وقتها. ذكر المقدسي في القرن العاشر للميلاد في حديثه عن المدينة "وعليها حصن أحدث وأنابه من طين". الإشارة غامضة وعلّ ما قصده المقدسي بالحصن سور المدينة.
ظهرت كلمة القلعة فجأة في كتابات ابن القلانسي (١٠٧٠-١١٦٠ للميلاد) وهو أقرب المؤلّفين لفترة بنائها وكان ذلك تحت أحداث العام ٥٠٥ للهجرة (العاشر من تمّوز ١١١١ إلى ٢٨ حزيران ١١١٢) في ذكر انتقال "تاج الملوك بوري بن أتابك إلى دار شمس الملوك دقاق في قلعة دمشق". الظهور الثاني كان في أحداث ٥٠٧ للهجرة (١٨ حزيران ١١١٣ إلى السابع من حزيران ١١١٤) في ذكر لقاء ألب أرسلان مع ظهير الدين طغتكين الذي لقيه "بما يجب لمثله من تعظيم مقدّمة وإجلال محلّه وأدخله إلى قلعة دمشق وأجلسه في دست عمّه شمس الملوك دقاق".
هذا فيما يتعلّق بكتابات المؤرّخين وهي دليل أكثر من كافٍ أنّ القلعة كانت موجودة منذ مطلع القرن القرن الثاني عشر للميلاد على أقلّ تقدير. ماذا عن النقوش الكتابيّة؟
للحديث بقيّة.
م. هزار عمران. قلعة دمشق في نهاية القرن الخامس/الحادي عشر. الحوليّات الأثريّة العربيّة السوريّة المجلّد الرابع والأربعون ٢٠٠١.
No comments:
Post a Comment