Monday, September 27, 2021

عبد الناصر بعد إحدى وخمسين عاماً

 


لفظ جمال عبد الناصر أنفاسه الأخيرة في الثامن والعشرين من أيلول عام ١٩٧٠ وشاءت الأقدار أن يقع هذا الحدث في نفس اليوم الذي أجهضت فيه الوحدة المصريّة - السوريّة عام ١٩٦١ وإن حافظت مصر رسميّاً على تسمية الجمهوريّة العربيّة المتّحدة طالما بقي عرّابها على قيد الحياة. 


يحتفل غلاف هذا العدد من مجلّة سمير بمرور عشرة أعوام على ثورة ٢٣ يوليو تمّوز عام ١٩٥٢ ولا شكّ أنّ مصر في مطلع الستّينات كانت لا تزال الرقم واحد في العالم العربي حضاريّاً وثقافيّاً وعلميّاً وسياسيّاً وعسكريّاً رغم النكسة التي تعرّضت لها الجمهوريّة الفتيّة في خريف ١٩٦١. 


يمكن تقسيم عهد عبد الناصر إلى  المراحل التالية


- الفترة التمهيديّة من ١٩٥٢ إلى ١٩٥٦. ترأس محمّد نجيب مصر بعد إلغاء الملكيّة عام ١٩٥٣ وإن كان عبد الناصر أقوى أفراد تنظيم "الضبّاط الأحرار" وليس دائماً من وراء الكواليس.


- رئاسة عبد الناصر اعتباراً من عام ١٩٥٦ وحتّى أيلول عام ١٩٦١ وهي الفترة التي بلغت خلالها شعبيّة ومهابة عبد الناصر في العالم العربي بأسره الأوج وأحرز فيها الانتصار الديبلوماسي تلو الانتصار الدبلوماسي بداية من حرب السويس. توّجت هذه الانتصارات في فبراير شباط ١٩٥٨ عندما اتّحدت مصر وسوريّا أي الإقليم الجنوبي والشمالي للجمهورية الجديدة كما وحّد الملك مينا وجه مصر القبلي مع وجهها البحري قبل خمسة آلاف عام. 


- بدأت الفترة الثالثة بنكسة خطيرة مع انقلاب عبد الكريم النحلاوي في دمشق ولكنّها كانت أبعد ما تكون عن الضربة القاضية: زعامة مصر في منتصف الستّينات لا جدال عليها رغم مصاعب حرب اليمن وتصاعد المزاحمة السعوديّة. وجه عبد الناصر لا يزال الأشهر على الصعيد العالمي من بين جميع قادة العرب في الشرق والغرب.


- استهلّت المرحلة الأخيرة بالحرب الخاطفة التي شنّتها إسرائيل على جيرانها في حزيران ١٩٦٧ وبدأ معها أفول نجم مصر ونهاية دورها القيادي  - ولو إلى حين - عندما اضطّر عبد الناصر أن يتناسى خلافاته مع الملك السعودي فيصل ويقبل مساعدته الماليّة مكره أخاك لا بطل بهدف "إزالة آثار العدوان". كان هذا انقلاباً جذريّاً في موازين القوى في العالم العربي وإن لم يدركه معظم الناس وقتها. بالطبع تطلّب انتقال مركز الثقل من القاهرة إلى الرياض عدّة سنوات ولم يكن قطعيّاً ولا حتّى جليّاً ما دام عبد الناصر على قيد الحياة. تسارع تراجع اليسار العربي وصعود الأنظمة الملكيّة النفطيّة المتحالفة مع الغرب في عهد السادات والعهود التالية وتحوّل هذا التراجع إلى سقوط حرّ بعد مغامرة الرئيس العراقي صدّام حسين المشؤومة في الكويت عام ١٩٩٠ وما ترتّب عليها من كوارث لا يزال الشرق الأدنى يعيشها إلى اليوم. بالطبع لا يمكن الإحاطة بالموضوع دون اعتبار الظروف الدوليّة المتغيّرة ومنها انهيار الاتّحاد السوفييتي الغير متوقّع - إن لم نقل المذهل - بعد عشرين عاماً من وفاة جمال.      


في ذكرى رحيله لا مبالغة في القول أنّه كان ولربّما لا يزال أكثر رؤساء العرب جاذبيّةً (لا أعرف إذا كانت هذه الكلمة تعريباً يفي كلمة charisma حقّها) وأعظمهم نفوذاً وأنّ شعبيّته تجاوزت حدود مصر لتنتشر في البلاد العربيّة التي تخيّل كثيرون فيها أنّ وحدة الناطقين بلسان الضاد ممكنة. ظاهرة جمال عبد الناصر لم تتكرّر إلى اليوم.

No comments:

Post a Comment