Saturday, September 18, 2021

من الحصن الروماني إلى قلعة دمشق


أثار المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget في دراسة نشرت عام ١٩٣٠ احتمال وجود حصن روماني castrum قديماً في الموقع الذي تحتلّه حاليّاً قلعة دمشق. يرفض أغلب الأخصّائييّن اليوم هذا الرأي استناداً إلى غياب أي دليل عن بنية من هذا النوع في ذلك المكان قبل العصر السلجوقي سواءً في المصادر التاريخيّة أو في أعمال التنقيب. اخترت مع ذلك نقل الخطوط العريضة لتحليل Sauvaget فالرجل أدلى بحججه وهو لا يلقي الكلام جزافاً.


استند العالم الفرنسي على الدراسة المبدئيّة التي أجراها Wulzinger & Watzinger قبله (الأولى من نوعها عن القلعة احتلّت الصفحات ٥٤-٥٦ من الجزء الأوّل من كتابهما عن دمشق والصفحات ١٦٦-١٨٢ من الجزء الثاني أضف إليها خريطة مفصّلة للآبدة وعدّة مخطّطات لبعض عناصرها). برهن الألمانيّان بطريقة قاطعة "ont parfaitement établi"  - في عرف Sauvaget - على أنّ حصناً رومانيّاً مربّع الشكل تواجد في الزاوية الشماليّة الغربيّة للمدينة قبل الإسلام. لهذا الحصن برج في كلّ من زواياه الأربعة وأربعة أبواب نتصّف أسواره الأربعة. أضاف المستشرق الشهير أنّ بعض هذه الأبراج لا زال موجوداً وأفضلها حالةً "la mieux conservée" البرج الشمالي الشرقي (الصورة الملحقة عن Herzfeld). 


عزّز Sauvaget مطارحته بالملاحظات التالية:


- تقع قلعة دمشق على سويّة أرض المدينة مخالفةً بذلك القاعدة في حصون القرون الوسطى التي بنيت على التلال والجبال. هذا يعني لجوء بناة القلعة إلى استعمال موقع مألوف ومخصّص و"جاهز" لهذا الغرض منذ القدم وهناك أمثلة من هذا النوع في قلعتيّ بصرى وبعلبك. 


- شكل القلعة منتظم ومستطيل (باستثناء السور الشمالي الذي يتبع مجرى فرع بردى العقرباني) على عكس قلاع القرون الوسطى. القلعة إذاً أقرب - من الناحية الهندسيّة - إلى الحصون القديمة antique الرومانيّة منها إلى الإسلاميّة أو حتّى الصليبيّة. 


- من المعروف أنّ القلعة مذكورة منذ عهد أتسز بن أوق الخوارزمي (الذي انتهى معه العهد الفاطمي وبدأ العصر السلجوقي) الذي يفترض أنّه أسّسها. قام شمس الملوك (أو الملك؟) اسماعيل بن بوري بن الأتابك طغتكين بتوسيع القلعة عام ١١٣٢ ولربما خصّها نور الدين أيضاً بعنايته أمّا صلاح الدين فلا ريب أنّه أقام فيها مجلسه وسكنها ومات ودفن فيها قبل أن ينقل رفاته إلى التربة المعروفة. إذاً طرأ الكثير من التعديلات على القلعة خلال فترة تجاوزت المائة سنة بداية بدخول أتسز إلى المدينة في ١٠٧٦ ونهاية بالملك العادل (١٢٠٠-١٢١٨) الذي أخذت فيه شكلها الذي نعرفه اليوم. مع ذلك - كلام Sauvaget - لا نجد فيها اليوم إلّا مواداً تعود للعصور السابقة للإسلام من جهة وثانيةً تنتمي لفترة العادل وما تلاها من جهة ثانية بينما يكتنف الغموض العصور السلجوقيّة الأتابكيّة ومطلع الأيّوبيّة . 


أبعاد القلعة الحاليّة ٢٢٠ x ١٥٠ متر أمّا الحصن الروماني المزعوم فمربّع طول ضلعه ١٢٠ متر.


أجري كمّ لا بأس به من التنقيب في القلعة بعد إخلاء السجن والأبنية الطفيليّة منها في أواخر القرن العشرين ومع ذلك لا زلنا لا نملك دليلاً ملموساً على حصن رومانيّ أو بيزنطيّ على أرضها ولا ذكر لهكذا حصن في المصادر التاريخيّة أمّا عن العناصر القديمة من مواد البناء فيمكن تفسيرها بكل بساطة  - ودون اللجوء لفرضيّة الحصن - كأحجار "استعيرت" من معبد المشتري الخارجي peribolos الهائل المساحة. 



   









سوق تحت القلعة   


قلعة دمشق: المراجع










D. J. Cathcart KingThe Defences of the Citadel of Damascus. Archaeologia, Volume XCIV, 1951


Ernst Herzfeld Papers


Jean Sauvaget. La Citadelle de Damas I


Jean Sauvaget. La Citadelle de Damas II


Karl Wulzinger Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924.


Karl Wulzinger Carl Watzinger. Damaskus, die Antike Stadt. Walter de Gruyter 1924.

No comments:

Post a Comment