رأينا كيف تحفّظ Seston (وبعده Kraeling) على تفسير لوحة "المرأة والبئر" في بيت معموديّة كنيسة دورا أوروپوس كترجمة مصوّرة لرواية يسوع والسامريّة كما وردت في الإصحاح الرابع من إنجيل يوحنّا مستنداً في ذلك بالدرجة الأولى إلى غياب لا يمكن تبريره للمسيح في مشهدٍ من هذا النوع. مال Peppard إلى قراءة "البشارة" في هذه اللوحة ويكمن الإشكال في هذا التأويل بأنّه لا يتّفق مع ذكرها في الإصحاح الأوّل لإنجيل لوقا الذي لا يذكر البئر. كيف الخروج من هذه المعضلة؟
يكمن الحلّ في إنجيل يعقوب الذي لم يدرج في النسخ القانونيّة لكتاب العهد الجديد وهنا لا بدّ من التوكيد على أنّ الاتّفاق على الشكل النهائي لهذا الكتاب وأناجيله الأربعة استغرق مئات من السنوات وأنّ كنيسة دورا - أقدم دور العبادة المسيحيّة المعروفة - تعود إلى القرن الثالث ولا بدّ أنّ الكثيرين اعتمدو إنجيل يعقوب في ذلك العصر. أرفق هنا النصّ المتعلّق بالبشارة فيه:
الفصل الحادي عشر: بشارة الملاك للعذراء بالحبل وميلاد ابن الله
ومضت بجرّتها لتملأها بماء، فإذا بها تسمع صوتًا يقول: "السلام لك، يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الربّ معك: مباركة أنت في النساء". ونظرت مريم حولها يمينًا ويسارًا لتعرف من أين يأتي ذلك الصوت. وعادت إلى بيتها، وقد ارتجفت، ووضعت الجرَّة، وإذ تناولت الأُرجوان، جلست على مقعدها لتعمل. وإذا بملاك الربّ واقفا أمامها قائلا: "لا تخافي يا مريم؛ لأنك وجدت نعمة عند الربّ وها أنت ستحبلين حسب كلمته". وكانت مريم تقول في نفسها، وقد سمعته: "هل أحبل من الله وأضع كما تلد الأُخريات؟" فقال لها ملاك الربّ: "لن يكون الأمر كذلك يا مريم، لأن قوة الله تظلَّلك، لذلك المولود منك قدّوس ويُدعى ابن الله. وتُسمّينه يسوع؛ لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم. وها أن نسيبتك أليصابات حبلت بابن في شيخوختها، والتي كانت تُدعى عاقرًا هي في شهرها السادس، فما من مستحيل على الله؟" فقالت له مريم: "إنّني أمَة الربّ؛ ليكن لي بحسب كلامك".
ليس هناك أدنى التباس في هذا النصّ أنّ العذراء كانت تغرف الماء من مصدرٍ ما (عين أو بئر). لدينا دليل إضافي في عين العذراء الأورثوذوكسيّة في الناصرة التي استند من بناها على بشارة جبرائيل لمريم على العين.
اللوحة الملحقة مأخوذة من مخطوطة بيزنطيّة من القرن الثاني عشر يتجلّى فيها نصّ إنجيل يعقوب بمنتهى الوضوح إذ نرى العذراء على البئر مستديرةً إلى الخلف تشخص بنظرها إلى الملاك في السماء. هناك نسخة من هذه اللوحة في مكتبة الڤاتيكان وثانيةً في مكتبة پاريس الوطنيّة وهذه الأخيرة هي التي ألهمت Peppard أن يعيد النظر في لوحة كنيسة دورا نائياً عن تفسير "السامريّة" ومستعيضاً عنها بالعذراء.
إذاً البشارة في الواقع بشارتين: الأقدم هي بشارة العين (كما في دورا وإنجيل يعقوب) والثانية البشارة في بيت داود (كما في إنجيل لوقا ولوحات عهد النهضة Renaissance) الرائعة.
لزيادةٍ في الإيضاح أبطال مشهد السامريّة هما المسيح والمرأة بينما نرى في مشهد البشارة جبرائيل والعذراء.
يمكن بناءً على قراءة Peppard (أي أنّ لوحة دورا تمثّل البشارة حسب إنجيل يعقوب) تفسير النجمة على صدر المرأة في لوحة دورا والخطّين المائلين وراء ظهرها والتي تردّد Kraeling واحتار في تأويلهما. يرمزّ هذان الخطّان في عرف Peppard إلى التجسّد Incarnation كما في الحبل بلا دنس Immaculate Conception والنجمة على صدر العذراء بالتالي ترمز إلى وميض معجزة حملها.
ختاماً هناك قوس نصر من دير مار موسى الحبشي يمثّل البشارة ويجمع المسيح (الأعلى) مع جبرائيل (على يسار الناظر) مع العذراء (على اليمين) تظهر عليه خطوط مستقيمة تتشعّع باتّجاه مريم وترمز إلى التجسّد الآنف الذكر. إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ الدير (والمخطوطة البيزنطيّة أعلاه) فهذا يعني أنّ استعمال هذه الرموز استمرّ لمئات من السنوات بعد اندثار دورا.
William Seston. L'église et le baptistère de Doura-Europos.
Michael Peppard. The World's Oldest Church. Yale University Press 2016.
No comments:
Post a Comment